نقيب المحامين المنتخب أمس الأول الخبير القانوني الفذ الدكتور عبد الرحمن إبراهيم الخليفة، يبقى من كبار المفاوضين في السبيل الوعر إلى التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بمنطقة نيفاشا الكينية.. ويبقى من أكثر المتشددين في استمرار الوحدة بين الشمال والجنوب.. ويرى أن تداعيات اتفاقية نيفاشا المتمثلة في التفلتات الأمنية والاعتداءات الجنائية وأسوأها مجازر الإثنين الأسود، مثل آثار جانبية لعلاج يراد به الاستشفاء، وأن سقوط الضحايا الأبرياء من الشماليين عقب تحطم طائرة جون قرنق «اليوغندية» وليس «الشمالية» في الفضاء المشترك بين يوغندا و«جنوب» السودان، يرى أن سقوطهم يمكن أن يعتبر مثل سقوط ضحايا في حادث مروري عن طريق الخطأ. أي أن نقيب المحامين الجديد ليس من «الاستفتائيين» على الأقل مثل الصادق المهدي كما صار أخيراً، بل من الوحدويين مهما كان الثمن.. هذا عهدنا به قبل التطورات الأخيرة على الساحة السودانية.. وآخر هذه التطورات هو بالطبع انتخابه نقيباً للمحامين السودانيين.. وهو قناعتنا به أجدر بأن يكون نقيباً للمحامين في كل العالم الإسلامي، أو على الأقل في الوطن العربي الواحد الذي تنتهي حدوده الجنوبية بالطبع ليس في نمولي بل في الرنك أو شمالها.. وتفسير هذه الملاحظة الآن لا يحتاج إلى كثير عناء.. ومن خلال اختلاق أزمة أبيي الحدودية يمكن أن نعان على سهولة التفسير. والدكتور عبد الرحمن الخليفة نفسه - وكما صرَّح من قبل للمركز السوداني للخدمات الصحفية - يعلم أن بروتوكول «أبيي» فرض على المفاوضات في نيفاشا بعد أن قطعت أشواطاً بعيدة، لكن إلحاح القسيس المتآمر دانفورث هو الذي جعل اختلاق هذه الأزمة المقصودة بعناية في الذهنية الأجنبية ملحقاً في تلك المفاوضات. ورغم ذلك لم يحسم أمرها مثل مسألتي السلطة والثروة والترتيبات الأمنية كما ينبغي قبل الاتفاق.. فالمؤامرة الأجنبية والشوق الحارق لدى الحكومة للتوقيع على اتفاقية السلام، كانا يسيران في اتجاه واحد يوصل خطواتهما إلى نتائج عكسية تخدم برنامج السياسة الخارجية لواشنطن وأخواتها هناك وهنا. لكن تفاؤل الدكتور عبد الرحمن الخليفة جعله ينظر إلى أن الإرادة السياسية والطاقة الوطنية كفيلتان بتذويب كل كارثة من الحركة الشعبية وشريكة حزبه المؤتمر الوطني في الشمال وطليقته في الجنوب، وكل مؤامرة من واشنطن وأخواتها في برنامج وطني واحد تحميه الجماهير السودانية بما فيها الجماهير الوطنية الجنوبية التي لا يوالي أكثرها للحركة الشعبية. لكن المهم في الأمر هو أن نقيب المحامين الجديد بالطبع لن يقتصر عمله على تنفيذ الأفكار والمخططات النقابية التي تصب في خانة ترقية مهنة المحاماة وخلق سبل إلى تحقيق أوضاع معيشية أفضل للمحامي السوداني، فأيضاً هناك أدوار وطنية يشارك فيها رؤساء النقابات التي تمثل قطاعات شعبية لها تأثيرها في الشارع السوداني. ومعلوم أن بعض أهم القضايا التي تمس السيادة الوطني أو الأمن القومي الوطني - للأسف المؤلم - ليست محل اتفاق كل القوى السودانية، وأيضاً للأسف المؤلم أكثر - ان هناك قضايا وطنية يتأثر بها السودان بشكل مباشر أو غير مباشر في شماله وجنوبه معاً، تجدها محل خلاف بين «الشريكين» في الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. أو أن الأخيرة على الأكثر تقف موقف الحياد السلبي وكأنها حزب غير سوداني، ومن هذه القضايا التي تفاعل معها بحماس اتحاد المحامين السودانيين في عهد النقيب المنصرف الأستاذ فتحي خليل، بل اتحاد المحامين العرب والمسلمين، وحتماً سيواصل فيها هذا التفاعل اتحاد عبد الرحمن الخليفة، من هذه القضايا قضية «السيادة الوطنية» التي تتعرض لمحاولة النبش بأظافر وأنياب ما تسمى المحكمة الجنائية الدولية.. أو بالأحرى - حسب الترجمة القانونية - يمكن تسميتها بمحكمة «التجني» و«التجريم»، إذ أن نشاطها «السياسي والإعلامي» تحت غطاء قانوني يمثل حالة تجريمية.. وأهل القانون يفهمون معنى مصطلح «التجريم».. ودعونا نترك تفسير مصطلح «التجني» للشعراء.. فهم أكثر المستهلكين لهذه الكلمة: فليتك لو سملت من التجني.. بحقك لا تخيب منك ظني.. فكان بقدر حسنك فيك حزني.. إليك أشير في قولي وأعني.. إذن يبقى أهم واجب وطني للنقابة الجديدة في عهد المحامي والسياسي والداعية الدكتور عبد الرحمن الخليفة، هو معالجة مشكلة خلاف الشريكين اللذين تقاسما حكم السودان بعد انفصاله دستورياً وسيادياً بموجب اتفاقية نيفاشا، مشكلة خلافهما حول المواقف الوطنية التي ينبغي أن تنبثق من الثوابت الوطنية. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 3/1/2010م