ربما لم تتأكد بعد بصورة قاطعة الأنباء التي أشارت – الأسبوع الماضي – إلى اعتزام المتمرد عبد العزيز الحلو، الدخول في تفاوض مع الحكومة السودانية أملاً في تجاوز الحرب التي قادها – بدون مبررات موضوعية في ولاية جنوب كردفان . ولكن من المؤكد أن لهذه الأنباء أساس كما أن من المؤكد أن خيارات الحلو- سياسية كانت أو عسكرية – قد نفذت تماماً ولم يعد لديه من خيار سوي التفاوض ومحاولة استعادة المكاسب السياسية القديمة ذاتها على أقصي تقدير اذ من المعروف أن الحلو كان نائبا للوالي في جنوب كردفان وكانت حركته شريكة في حكومة الولاية، بل من المؤمل أن تترسخ بقوة هذه الشراكة عقب الانتخابات التكميلية التي جرت في مايو الماضي لولا أن الحلو – تسرع – وسكب القارورة على الأرض لتنكسر الزجاجة ويندلق الزيت. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا دوناً عن غيره هو ما اذا كان الحلو سيحصل على ما كان قد حصل عليه قبل تمرده اذا عاد للتفاوض من جديد وانخرطت معه الحكومة السودانية في ذلك التفاوض. فنحن هنا نتجاوز الأسباب التي تحتم على الحلو العودة للتفاوض (غير المشروط) وذلك – وببساطة شديدة – لأن الحلو من الناحية العملية الواقعية فقد أي سند محلي أو إقليمي أو دولي قد يساعده على تحقيق أهداف تمرده والحصول على (اكبر) مما كان في يديه. الواقع أن أكبر خسارة ألحقها الحلو بحركته الشعبية في الشمال هو أن جعلها (غير موثوق منها) ليس على مستوي شريكها السابق الوطني ولكن حتى على مستوي مواطني جنوب كردفان ومنسوبي الحركة في الشمال عموماً فضلاً عن رفاقه في قيادة الحركة أمثال عقار ودانيال كودي وخميس جلاب ود. تابيتا بطرس وسلسلة مطولة من قادة الحركة الأفذاذ في الشمال. لقد كان عنصر الثقة هذا بعدما وقع انفصال الجنوب وتخلت الحركة الأم عن حركة الشمال ضرورياً للغاية لكي تجد الحركة في الشمال مجالاً مناسباً لها للعمل فهي ضعيفة سياسياً وفي حاجة إلى (شريك قوي) تتكئ علي كتفيه وتسير معه في طريق سياسي وعر وشاق بل لا نغالي أن قلنا أن الحركة في الشمال فقدت حلفائها في قوى المعارضة السودانية لأن هؤلاء – على ضعفهم وقلة حيلتهم – أدركوا أن الحركة في الشمال قد تلجأ للحرب في أي لحظة وتلحق أضراراً بمساحة الانفتاح السياسي والمناخ الديمقراطي السائر وتعيد الجميع إلى الوراء . فقدان الثقة هذا هو الأكثر أثراً على أي موقف سياسي مستقبلي للحركة في الشمال ككل والحلو ومجموعته في جنوب كردفان على وجه الخصوص. اذ من الصعب – بعد ما جري – أن تلتئم ذات الشراكة القديمة بذات الألق القديم والمكاسب السياسية إذا ما قدر للتفاوض أن ينجح ويقضي إلى معاهدة سلام جديدة سواء بطريق مباشر أو عبر وسطاء ولهذا فان أزمة الحلو ورفاقه الحقيقية هي أنهم لم يقدروا جيداً قوتهم السياسة ولم ينظروا للمستقبل ولم يضعوا في حساباتهم أن الوطني من الممكن أن ينشئ تحالفاً مع بقية قوى المعارضة ويصبحوا هم الهامش السياسي بقدر وزنهم السياسي. لقد وقع المحظور بالفعل، فقد انكسرت الزجاجة واندلق الزيت!!