لم يجد تمرد الحلو الدعم الذى كان الرجل يتصوره ، بل إن الحلو سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد أضر أول ما اضر بالحركة الشعبية إجمالاً بتمرده فى هذا التوقيت البالغ الحرج لها . فقادة الحركة فى جنوب السودان كان آخر ما ينتظرونه - وهم يستعدون الآن لإعلان دولتهم الجديدة فى التاسع من يوليو المقبل - وهو أن تشتعل منطقة تماس قريبة منهم وان تتجه الأنظار بعيداً عن جوبا، و أن تجرجر أقدام الحركة رغماً عنها لتحمل مسئولية تمرد لم تكن ترغب فيه حتى ولو كانت على علم به . و لهذا لاحظنا ضمن متابعاتنا فى (سودان سفاري) ضيق و امتعاض العديد من قادة الحركة شمالاً و جنوباً جراء ما فعله الرجل . و يكفي ان قادة الحركة فى جنوب كردفان أمثال دانيال كودي وبعض رفاقه أصدروا بياناً تبرؤوا فيه من ما فعله الحلو ، وحاولوا بشتي السبل إلصاق ما جري بالحلو وحده حتى لا تدفع الحركة ثمناً لشئ لا جدوي و لا فائدة من ورائه. الفريق عقار ايضاً بذل و تشير متابعاتنا الى انه لا يزال يبذل مساعي جادة لاحتواء الأزمة لإدراكه العميق انها بمثابة قاصمة للحركة فى الشمال لأن الحركة فى الجنوب لن تأبه كثيراً بهم ولن تدع احتفالاتها الوشيكة بدولتها الجديدة تذروها رياح تمرد طائش لا مبرر له . فى الواقع لقد انقسمت الحركة الشعبية – جراء تمرد الحلو – لأقسام ثلاث ، فهي فى الجنوب (غير راضية ) عن عودة مبكرة ومفاجئة للحرب بعد ما حقق السلام دولة مستقلة قائمة بذاتها ولا تريد تعكير صفو الحدث الكبير الذى تزمع الاحتفاء به لأقصي حد ممكن كانجاز من انجازاتها ، وهى عملياً لا تستطيع - مهما كانت مجبرة - تقديم أى دعم للتمرد الوليد ، لأنها - ببساطة – سوف تواجه تمرداً اشد شراسة من جانب التمرد الجنوبي الذى يقاتلها منذ عامين و حتى الآن. القسم الثاني هو المرتبط بالشمال هنا ويمثله عقار الذى يري – وقد قال ذلك – ان الظروف الراهنة تقتضي تدعيم أواصر الشراكة مع الوطني لأن الحركة فى الشمال اضعف من ان تفرض رغباتها او تحقق نصراً على السلطة القائمة . أما القسم الثالث فهو الذى يمثله الحلو وعرمان و بعض منتسبى اليسار والشيوعيين فى الحركة الذين يراهنون على إنشاء (جنوب جديد) بذات معطيات الجنوب القديم ، و إعادة إنتاج الأزمة نفسها حتى يحصلوا على مكاسب جديدة على غرار مكاسب نيفاشا . و قد حمّل والي جنوب كردفان أحمد هارون كل من عرمان و رفقائه مسئولية قدح زناد الأزمة و تمرير أجندتهم الخاصة و التى استجاب لها الحلو برعونة شديدة ليؤول مصيره الى ما آل إليه !