الأسبوع الحالي شهد تحركات واسعة للحركة الشعبية (قطاع الشمال) هدفت لتوقيع تحالفات مع حركات دارفور المسلحة(تحرير السودان جناحي مناوي وعبد الواحد وحركة العدل والمساواة) تهدف لتكوين ما يسمى ب(الجبهة الوطنية للمقاومة) .وسبق هذا الإعلان والذي أعلن أمس الأول في عاصمة الجنوبجوبا اتصال هاتفي بين زعيم حركة العدل دكتور خليل إبراهيم والأمين العام للشعبية ياسر عرمان،و بحث الرجلان – وفق بيانهما- مستقبل الجمهورية الثانية في ظل ما أسمياه التعقيدات التي تواجه الشعب السوداني .وكشف البيان أن د. خليل إبراهيم و ياسر عرمان تناولا فيه الأوضاع السياسية الراهنة في السودان، وأكدا فيه على ضرورة تحقيق السلام الشامل وبناء دولة المواطنة والتحول الديمقراطي، وأدان الطرفان الحرب الدائرة في جنوب كردفان، وشدد الطرفان على العمل مع كافة قوى التغيير للنهوض بالبلاد إلى رحاب التحول الديمقراطي.. التحالف الأخير يغري بالتنقيب والحديث عن دواعي ومستقبل العلاقة بين الحركة الشعبية (القديمة-الجديدة) وحركات دارفور وقالت تقارير صحافية في الخرطوم الثلاثاء إن دولة الجنوب قامت بالرعاية الكاملة فيما يلي التمويل والحركة والتنقل وتأمين الشخصيات، وأكّدت التقارير أنّ الجانب العسكري لدمج القوات بين الحركات والجيش الشعبي يجد الدعم المباشر من جيمس هوث رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي، وأبانت التقارير أن تكوين دولة علمانية وفصل الدين عن الدولة والتحول الديمقراطي مثلت أهم بنود الاتفاق، وأكد أن الوسيط لهذا الاتفاق بين الحركة الشعبية والحركات هو ياسر عرمان الذي كثف اتصالاته مع قادة الحركات لإقناعهم بالاتفاق، وأوضح أنه كان آخرها الاتصال بينه وخليل إبراهيم، وأشارت التقارير إلى أن أطراف التوقيع من جانب الحركات مثلها د. الريح محمود عن جناح مناوي وأبو القاسم إبراهيم ممثلاً لعبد الواحد ووقع عن العدل والمساواة أحمد آدم بخيت. أما الاتصال الهاتفي الذي تناقلته العديد من وسائل الأنباء قيل أنه جرى فيه بحث الأوضاع السياسية عامة بالسودان ولأول مرة ظهرت مفردة التنسيق لمواجهة ما وصفاه بسياسات الوطني الخاطئة في جنوب كردفان. بحسب ما توفر من أنباء أيضاً فإن عرمان تعهد لخليل بقيادة المعارضة من الداخل في حين أن علي خليل قيادة العمل المسلح من الخارج. وكان من الواضح تماماً لكل من يتابع الشأن السياسي السوداني, أن الاتصال هو اتصال (علاقات عامة) سواء كانت هنالك حاجة ماسة له أم كان بغرض (التسلية) والتحية والمجاملة! فالدكتور خليل الذي يسعي لإسقاط النظام فشل في مسعاه هذا حتى حين منح أكبر دعم وتسليح في هجومه الشهير علي أم درمان في العاشر من مايو 2008 وفشل في المحافظة على دول الجوار الداعمة له وتورط الآن في النزاع الدائر في ليبيا ومن المؤكد أن فاتورة ليبيا ستكون ثقيلة تماماً علي عاتق د. خليل عاجلاً أم أجلاً, أما عرمان فهو يحاول إحياء قطاع الشمال عبر استدرار عطف الحركات المسلحة وجعلها هي قطاع الشمال الجديد. كما أن عرمان يراهن ويعول على العامل الخارجي, وتحديداً العامل الأمريكي وهو بهذه المثابة يصطدم هنا ببعض ما لا يروق لخليل. التحالف الأخير بين هذه الحركات المأزومة ينعش ذاكرة التاريخ ويعيدها للتحالف الأصيل (تحالف المهمشين) والذي تمخض عن أول مؤتمر تأسيسي لاتحاد المهمشين من مدينة هوتينغن الألمانية في أبريل عام 2003م. ذلكم الاجتماع الذي خططت له العدل والمساواة بتنسيق تام مع الحركة الشعبية وبعض تجمعات المعارضة لإشعال شرارة الحرب والدمار في دارفور. هذا اللقاء كان قد جمع إلى جانب خليل إبراهيم الذي تولى رئاسة هذا الاتحاد حينها وقد كان بمثابة الدينمو المحرك لهذا الكيان والمنسق بين مكوناته وعلاقاته داخل أوربا. وذلك في وجود كبار قادة حركته إلى جانب دكتور على الحاج محمد، وكاستيلو قرنق ، ولفيف من تيارات المعارضة وقتها في الغرب والجنوب والشمال والشرق حتى يمنح المشروعية وثمثيل غالب الأطياف السياسية. وقد كان من بين فيوضات هذا المؤتمر بداية الحريق في ولايات دارفور الكبرى. كان أول ما خرج عن هذا التجمع بعد أيام من تكوينه أن قامت حركة العدل والمساواة بهجومها على مدينة الفاشر ودمرت عددًا من الطائرات وأغارت على الجامعة والسوق والمستشفى وقتلت ونهبت وسحلت وكان والى شمال دارفور يومها الفريق أول إبراهيم سليمان !؟ المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور بهاء الدين مكاوي يرى في حديثه للرائد أن التحالف (إن صح) يمثل دليلاَ آخراً لقلة الخبرة السياسية للحركة الشعبية لأنها لم تفرق بين وضعها السابق – قبل الانفصال- وضعها الآن في ظل الدولة الوليدة، ويضيف مكاوي أن قيام الشعبية بمثل هذا التحالف يعتبر بمثابة تدخل في شؤون دولة أخرى، والخطوة الأخيرة أوضحت أن الحركة لم تستطع ترتيب أولياتها بشكل أفضل والتي تأتي في مقدمتها تكوين دولة قوية في بنياتها. ويزيد بهاء الدين: وبدلاً من قيامها بالتدخل في شؤون دولة أخرى كان على الشعبية إقامة علاقة طيبة مع القبائل الجنوبية في الداخل . وحول دواعي الخطوة يقول مكاوي : أعتقد أن الشعبية تريد البحث عن عدو خارجي لتوحيد الجبهة الداخلية ،انطلاقاً من الإستراتيجية السياسية القائلة (إذا أردت توحيد الجبهة الداخلية فابحث عن عدو خارجي) فكان العدو هو السودان الشمالي وليست دول الجوار الأفريقي الأخرى، ويضيف مكاوي : وهذا أيضاً مسلك آخر يشير إلى أن الحركة الشعبية (مصرة) على خسران السودان الشمالي في سبيل توحيد الجبهة الداخلية. أما السفير السابق والمحلل السياسي الدكتور الرشيد أبو شامة فيقول إن هذا التحالف (إن صح) فهو بمثابة إعلان تمرد من قبل الحركة الشعبية ضد الدولة وهي بذلك (الشعبية) تكون قد حق الممارسة السياسية في السودان وفق قانون الأحزاب الذي لا يسمح لحاملي السلاح بممارسة النشاط السياسي في البلاد ،وأضف أبو شامة أن هذا التحالف (إن صح) يجب أن يدان ويجب أن يحارب مضيفاً بأن ما يسمى بالجبهة الوطنية للمقاومة والتي كونها هذا التحالف لن تكون منعزلة عن الحركة الشعبية الأم في دولة الجنوب مما سيتسبب في (مشاكل) بين الدولتين . وطالب السفير أبو شامة الدولة أن تتناول هذا الأمر بطريقة علنية وأن يعلن ذلك رسمياً ليتم تناوله علمياً من أجل إحداث ضغط دولي على الجنوب حتى يعلم الرأي العالمي حقيقة قادة الجنوب .. وختم أبو شامة حديثه للرائد بقوله : (ومما لاشك فيه هو أن دعم الجنوب لحركات دارفور سيفتح المجال للخرطوم لإتباع سياسة المعاملة بالمثل). من جانبه، وصف د. قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني ل (المركز السوداني)، الاتفاق الذي تم توقيعه بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور المتمردة بأنه قصد منه الالتفاف على اتفاق الدوحة الأخير ومحاولة إضعافه لدى المجتمع الدولي. وأكد أن الاتفاق يعد أصدق دليل على الدعم المتواصل الذي ظلت تقدمه الحركة الشعبية لحركات دارفور في مسار غير صحيح ولا يخدم أية أجندة للسلام المستدام في دارفور بل هو اتفاق حرب، وأشار د. قطبي إلى أن فشل الحركة الشعبية في إقناع الشمال بطرحها العلماني دعاها للتحرك في ساحة التقارب الموجودة بينهما وبين الحركات المسلحة الدارفورية، وأضاف: هذا الاتفاق ليس لخدمة السلام في دارفور. وقبل انفصال الجنوب – في ديسمبر2010م - حذر الممثل الخاص للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي رئيس بعثة (اليونميد)، البروفيسور إبراهيم قمباري من تحالف الحركات المسلحة الدارفورية مع الحركة الشعبية واعتبره مدمراً للعلاقة بين شمال البلاد وجنوبها بعد مرحلة الانفصال. عموماً علينا أن ننبه لماضي هذه التحالفات التي انطلقت من ألمانيا متلازمة مع حربهم والحركة الشعبية شريكة فيها، والعدل والمساواة ضالعة حتى أخمص قدميها، وهذه الجولة العرمانية تتطلع لغايات عجز عنها قائده بسلاحه ورجاله وعتاده ومن يقف خلفه من كبريات الدول والمؤسسات والكنائس في حربه التي تطاولت سنونها لدحر الإنقاذ ومشروعها ، فأرادوا الالتفاف عبر السلام كي يصلوا لمبتغاهم علّ هذا الركض باتجاه حركات دارفور يعيد لهم الثقة ويحي الأمل في نفوسهم لتطبيق بعض حلمهم !!؟. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ 10/8/2011