تحليل سياسي أسفرت الحركة الشعبية بشمال السودان رسمياً عن وجهها الحقيقي الذى تود ان تتعامل به مع الآخرين للمرحلة الحالية والقادمة. فقد أعلن عرمان مؤخراً ان المتمرد الحلو هو رئيس أركان الجيش الشعبي بشمال السودان بأكمله ، بما فى ذلك ولاية النيل الازرق ! عرمان وصف هذا الامر بأنه كان أمراً (سرياً) وهاهم الآن فى الحركة يعلنونه رسمياً! واعترف عرمان بأنهم (فى لقائهم) الأخير بالحلو وضعوا إستراتيجية لكل ما جري الآن . ولعل الامر فى مجمله هنا يستدعي وقفة و تمحيص دقيق، فالاعتراف رسمياً بأن الحركة الشعبية تتعامل بوجهيّ العملة (الجيش والسلاح) تترتب عليه مترتبات بالغة الخطورة؛ أولها ان الحركة بهذا الفعل تود إعادة إنتاج الأزمة الماضية بكاملها، أو ما تطلق عليه الجنوب الجديد وهو ما من شأنه ان يدفع باتجاه تعميق التناقضات بين المكونات الاثنية السودانية من جهة، وإحداث شروخ فى النسيج السياسي الوطني بحيث تظل فرضية التناقضات الاثنية الثقافية وقضايا الدين والهوية متجددة وهادمة لأي بناء وطني، وهازمة لأي إمكانية تعايش والتقاء من جهة أخري . ثانياً أن الحركة بوجهيها هذين لم توضح أسباب العمل نفسه؛ ذلك ان القضية فى الماضي كانت تخص جنوب السودان المعروف بظلاماته التاريخية وخصوصية قضيته ، والتى أسهم المستعمر فى جزء كبير منها؛ الآن ما هي أسباب الجنوبيين الجدد فى حمل السلاح ، وما الذى يطالبون به بمعزل عن قضايا الهامش فى كل السودان و كل بلاد الدنيا التى تصنف ضمن بلدان العالم الثالث ؟ذلك ان الامر لو تعلق بالتنمية والخدمات فهذه لم تعد قضايا المركز بقدر ما هي قضايا محلية تستطيع الولايات والأقاليم بمواردها وبقدر قليل من دعم المركز ان تنجز المشرعات التنموية والخدمية الضخمة المؤثرة فى حياة مواطنيها. ثالثاُ، المفارقة الواضحة هنا ان الحركة الشعبية بوضعها هذا ليست سوي مجموعة هواة، يريدون بشتى السبل ان يحققوا مجداً بالاتكاء على ماضي قضية جنوب السودان وهم بهذه المثابة يتجاهلون الشفرة السودانية، والنواة الصلبة التى لا تنكسر ولا تتأثر بأى مؤثر كهذا، فالحركة الشعبية فى الشمال لا تستطيع – لا نظرياً ولا عملياً – ان تجعل من نفسها معادلاً سياسياً موضوعياً، تكون هى فى كفة وبقية المكونات السياسية الاخري فى كفة أخري، ولهذا تلاحظ أنها تسعي للإستقواء بالحركات الدارفورية المسلحة على الطريقة ذاتها التى استخدمت فيها الحركة الأم، قطاع الشمال و أبناء جنوب كردفان و النيل الازرق للوصول الى قضاياها. بذات القدر الآن تستخدم الحركة فى الشمال أشتات الحركات الدارفورية المسلحة لتحقيق أهدافها. أخيراً فان الحلو اذا كان هو رئيس أركان الجيش الشعبي ، فان السؤال ليثور هنا حول منهم أعضاء هيئة الأركان، وما هو وضع مالك عقار، بل ما هو الوضع الخاص بعرمان نفسه فى هذه التشكيلة العسكرية ؟