لا يمكن أبداً قراءة أحداث بريطانيا الأخيرة، كما يريد «كاميرون» رئيس الوزراء البريطاني تصويرها، على أنها أعمال تخريبية مجرّدة، تقوم بها مجموعة من «اللوفرية»!! السياسات الداخلية والخارجية الحمقاء التي انتهجتها الحكومات البريطانية المتعاقبة، تسببت في ذلك الكم من الحقد والغضب اللذين تطايرا في العديد من المناطق البريطانية بسبب شرارة واحدة، وهي اغتيال سائق تاكسي ذي بشرة سوداء، تحوّلت إلى انفجار عنيف في السلوك لدى فئات من الإنجليز من ضمنهم ذوو البشرة السوداء. الشعب البريطاني يعاني ارتفاع الضرائب أصلا، وعندما جاءت الأزمة المالية الأخيرة، بدأت المشاكل الاقتصادية تأكل الأخضر واليابس، حيث فرضت على حكومة المحافظين وائتلافها، تخفيض ميزانيات كثيرة كان يستفيد منها الشعب، مثل تلك المتعلقة بدعم الجامعات البريطانية، مما تسبب في ارتفاع الرسوم التي يدفعها الطالب البريطاني إلى ثلاثة أضعاف. الأزمة المالية وتوابعها تسببت في طرد الكثير من العمالة البريطانية من أعمالها، ليصطفوا في قائمة العاطلين عن العمل، بينما الجيل البريطاني الجديد من الهنود والباكستانيين وغيرهم مازالوا يحتفظون بمواقعهم! الكثير من البنوك البريطانية استبدلت مجموعة من موظفيها الإنجليز بالمواطنين الأوروبيين وبخاصة البولنديين منهم، بسبب قبولهم بالرواتب المتدنية. حرب أفغانستان والعراق التي تورطت فيها بريطانيا بسبب بلير وحزبه، أنهكت ميزانية المملكة المتحدة، وكل ما يحدث اليوم من مصائب داخلية، لا يمكن قراءته بعيداً عن عواقب تلك الحربين. لم أستغرب من نية الأسكتلنديين الانفصال عن المملكة المتحدة، وذلك بسبب أنهم لا يريدون أن يكونوا فريسة لغباء حكومات، كانت تفكّر في الخارج أكثر من الداخل. حكومات تدعم الشرّ في كل دول العالم، حتى البحرين البلد البعيد جغرافياً عن بريطانيا، تجد لطابورها الخامس حظائر هناك، تربيهم بأعشاب إيرانية لضرب استقرار دولهم، كما فعلت مع العراق وتفعل مع دول أخرى. الشعب البريطاني بات لا يثق في السياسيين، ولعلكم تذكرون فضيحة التلاعب بالمخصصات المالية التي تورّط فيها نواب البرلمان البريطاني في عام .2009 حتى من الناحية الأكاديمية، في علم التنشئة السياسية، تجد في أمريكا آلاف الدراسات حول مكونات الشعب الأمريكي من ذوي البشرة السوداء، ومن المجنسين الجدد من الأسبان والكوريين والآسيويين والأفارقة والمكسيكيين وغيرهم. تلك الدراسات تبحث في نشأة تلك التجمعات وتحللها، وصولاً إلى معرفة المشاكل التي تعيشها لتقوم بعلاجها. في بريطانيا، بحوث التنشئة السياسية قليلة جدا، رغم أن هناك تجمعات وجاليات كثيرة بدأت تنخرط في المجتمع البريطاني، بعضها فرّخ الجيل الأوّل، وغيرها وصل حتى الجيل الرابع والخامس. هناك الآسيويون من هنود وباكستانيين وغيرهم، وهناك الصوماليون واليمنيون والليبيون والأفارقة والفلسطينيون وغيرهم. لم تقم بريطانيا بما عليها لمعرفة احتياجات أولئك الحقيقية وحل مشاكلهم، فالمسألة ليست جوازا وولاء للملكة فقط. لا يمكن قراءة أحداث بريطانيا الأخيرة بالسذاجة التي يريدون للعالم أن يقرأها، ولنا أن نستذكر أن هناك من المحللين من توقع انهياراً اقتصادياً في بريطانيا شبيها بما حدث لليونان، وفي ذلك إشارة إلى عمق الجرح البريطاني. برودكاست: قبل أشهر وفي برنامج إذاعي بريطاني صباحي، اتصلت سيدة بريطانية تبكي وتشتكي الفقر، وأنها لا تملك الأموال لتصرفها على ملابس أبنائها.. هذه هي بريطانيا اليوم، ومن يقول أنّها أعمال «لوفرية» فقط، فإنّما يخدع نفسه. المصدر: أخبار الخليج 15/8/2011