بعد أن انفردت الحركة الشعبية – بعيداً عن حلفائها التكتيكيين – من باتوا يعرفون بأحزاب مؤتمر جوبا، بتقرير مشاركتها في الانتخابات العامة المقرر لها ابريل المقبل متجاوزة ما أوردوه في مقررات الملتقى الذي قضى بأن يكون قرار المشاركة أو المقاطعة جماعياً ولا يتخذ بصورة إنفرادية فإن أحزاب جوبا – وهي جميعها أحزاب طالتها إنقسامات وتآكلت جماهيريتها وشعبيتها – وجدت نفسها في ورطة مع أن من المعروف ومما لا يحتاج الى (درس عصر) كما يقولون أن الحركة الشعبية لا يؤمن لها جانب. ومع أن من المعروف – بالضرورة أيضاً – أن ملتقى جوبا من أوله إلى آخره لم يكن سوى (عمل تكتيكي) مارسته الحركة الشعبية لتحقيق أهدافها مستخدمة هذه الأحزاب المخدوعة والملدوغة من ذات جحر الحركة مرات ومرات. وتتمثل ورطة هذه الأحزاب في أنها غير قادرة على اتخاذ قرار تحالف مع الحركة، لأن الحركة لم تفصح حتى الآن عن تحالفاتها وان كانت دلائل عديدة تشير الى أن هنالك إمكانية لتحالف (حركي وطني) – اذا جاز التعبير – خاصة بعد أن بدأت تتسرب أنباء عن نصائح مخلصة تلقتها الحركة الشعبية – لم تنفها ولم تؤكدها – تقول ان واشنطن نصحتها فيها بعدم التسرع في عملية الانفصال، والعمل على البحث عن صيغة كونفدرالية في هذه المرحلة. ذلك أن واشنطن وبما توفر لها من مؤشرات أدركت صعوبة ودقة الموقف الذي تواجهه الحركة، وهو موقف لا يرتبط فقط باخفاقها المحتم في الانتخابات في مواجهة المؤتمر الوطني، ولكنه يمتد حتى إلى عملية الاستفتاء نفسها، اذ من غير المستبعد أن تخفق الحركة أيضاً، بعد اخفاقها في الانتخابات العامة في احراز نسبة ترجيح الانفصال فتصبح الكارثة هنا كارثتين كارثة الاخفاق في الانتخابات وكارثة الاخفاق في الانفصال. ولعل هذه القراءة الأمريكية تنبه بعض الذين يفترضون أن الجنوب السوداني ماض لا محالة نحو الانفصال، مستبعدين تماماً إمكانية تحقق الوحدة عبر عملية الاستفتاء، وهو إفتراض عام غير مؤسس على اشارات قاطعة، فهناك احزاب جنوبية عديدة تنشط في الجنوب ولديها مؤيدين كما أن المؤتمر الوطني – بأنشطته وامكاناته – حاضر في الجنوب وفوق كل ذلك فإن الحركة الشعبية حتى على مستوى الجنوب ليست هي الكل في الكل. اذن ما هو المتاح الآن أمام قوى جوبا؟ لا شئ سوى إعلان عزمها خوض الانتخابات وقد بادر المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي لاعلان مرشحاً جنوبياً هو عبد الله دينق نيال للرئاسة وهو بهذه الخطوة (أدى واجبه) مع علمه بحدود حظوظ مرشحه وحدود حظوظ الحزب. وبقى كل من حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي الذي عاد ليبحث عن وسيلة (لرتق) نسيج حزبه – مع ضيق الوقت، واستحالة الامر – ثم صعوبة المقاطعة. وفي اتجاه آخر يبدو حزب السيد محمد عثمان الميرغني (الاتحادي الاصل) متردداً هو كذلك وان كان مجبراً على اعلان خوضه هذه الانتخابات العامة. وعلى أية حال فإن الخارطة تبدو غير مستقرة والمناخ السائد ضار الى حد كبير بالقوى المعارضة، فلا هي وحدت جهودها ولا حتى هناك مؤشرات لهذا التوحيد، ولا هي أعلنت تحالفاتها في وقت بالغ الضيق يصعب فيه ترتيب تحالفات تحتاج الى تفاوض وتوافق، واتفاق على قواعد!!