يبذل ياسر عرمان جهوداً مضنية للغاية لينفي زيارته وبرفقته اثنين من أعضاء حركته لإسرائيل ، ولكن دون جدوي . فالخطأ الفادح الذى وقع فيه عرمان هنا وأصبح بالنسبة له بمثابة القاصمة هو أنه اعتمد على عنصر (السرية) الكاملة ظناً منه ان (أصدقاءه الإسرائيليين) لن يجرؤوا على تسريب الواقعة، وكلنا نعرف كيف تفنن الإسرائيليين الآن فى فضح الرئيس المصري السابق حسني مبارك وما تركوا له شاردة ولا واردة فعلها (لمصلحتهم) إلا وفضحوه بها أمام شعبه والرأي العام الدولي بأسره.عرمان أثبت أنه لا يعرف العظات السياسية ولا يقرأ دروس التاريخ وما بين سطوره. و من جانب ثانٍ فان عرمان مطالب بالإجابة على سؤال فى غاية البساطة وهو لماذا التصقت به -وحده دون غيره من بقية الساسة السودانيين- تهمة السفر الى اسرائيل ؟ هل هنالك من عاقل يمكن ان يصدق ان (يد القدر) وحدها التى اختارت عرمان ليقع ضحية شائعة كاذبة بقيامه بزيارة الى اسرائيل ؟ وما الذى يمنع عرمان طالما ان علاقته باتت وثيقة للغاية بالأمريكيين من أن يمد ذات حبال العلاقة لإسرائيل؟ فالولايات المتحدة وإسرائيل وجهان لذات العملة السياسية التى يفضل عرمان التعامل بها رغم خلفيته الأيدلوجية التى كانت بالأمس القريب تصف اليانكي بالامبرياليين . إن أزمة عرمان جراء زيارته الى اسرائيل لا تقف فقط الآن فى الدوىّ الهائل الى افتضح به أمره و قضاء هذا الدوي الهائل على ما تبقي من أسهم سياسية لعرمان فى السودان ولكنها أزمة اكبر من ذلك بكثير وهذا ما يتعين علي كافة الناشطين سياسياً فى السودان الانتباه إليه . الأزمة تكمن فيما سيظهر من نتائج الزيارة مستقبلاً، ففي العادة فان الإسرائيليين حين يستقبلون (صديقاً) فى مطار بن غوريون أو مطار اللد، فمن المؤكد ان الصديق الزائر أصبح (رقماً فاعلاً) للدولة العبرية، وأن جدولاً للأعمال قد جري الفراغ منه ولابد من تنفيذه. أزمة عرمان انه غرق فى الامر الى أذنيه وهو مكلف الآن (بشيء ما) وهذه هى المخاطرة التى يتعين على كافة القوي السياسية حاكمة ومعارضة الاحتياط له . الامر الثالث – الأكثر خطورة – ان عرمان وفي سياق تمويهي حين كان ينفي زيارة اسرائيل قال ان الزيارة التى يزمعون القيام بها هى زيارة الى القاهرة لالتقاء المسئولين المصرين، والقصة على هذا النحو تبدو أكثر توضيحاً ، فالإسرائيليين ما وجهوا الدعوة لعرمان واستقبلوه سراً هناك ثم أذاعوا السر إلا بعد ان علموا بوجود دعوة مصرية لهم . و يبدو أنهم أرادوا (حرق) أوراق الحركة الشعبية قبل وصولها القاهرة ، أو أنهم أرفقوا مرفقات ما، مع عرمان ليذهب بها الى القاهرة . فى كل الأحوال فان عرمان فشل فى النفي ودخل فى ورطة نفي النفي التى يقول علماء الأصول أنها إثبات !