قابلت الحكومة السودانية الإقرار الأمريكي الأخير الذي ساقته عبر صحيفة النيويورك تايمز والذي قالت فيه – صراحة وبوضوح تام – أن الأوضاع في دارفور تتحسن وتمضي باتجاه الاستقرار، قابلته بقدر من البرود الذي ربما كانت الخرطوم محقة فيه الى حد ما، فقد قال الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية معاوية عثمان ان هذا الاقرار الأمريكي غير كافي ما لم تصحبه خطوات فعلية وجادة من جانب واشنطن باتجاه المساعدة على حل الأزمة حلاً تفاوضياً سلمياً يرسي السلام والاستقرار في الاقليم. وتبدو الحكومة السودانية محقة فيما قالت وفي رد فعلها هذا لكون أن (الأمر ليس بجديد)، فقد سبق للبعثة المشتركة (الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي) أن أوردت هذه الحقيقة في تقرير مفصل في مجلس الأمن قبل أشهر، وقال بذلك ايضاً قائد قوات اليوناميد المسؤولة عن حفظ السلام في الاقليم في تقريره الأخير قبل أن تنتهي مدته ويحل محله القائد الحالي. وفوق كل ذلك فإن كل من البعثة المشتركة وقوات اليوناميد لم تأتيا هما أنفسهما بجديد فقد كانت هذه هي حقائق الأوضاع في دارفور وان كل الذي جرى أن تضخيماً اعلامياً ومبالغات دعائية ظلت تحيط بها. إذن الاقرار الأمريكي – الذي بالفعل جاء متأخراً – ولكنه مع ذلك أفضل من ألا يأتي مطلقاً، لا يكتسب له أهمية خاصة إلا في حدود عمل واشنطن بجد وبهمة عالية لانجاح المفاوضات السلمية. ذلك أن الولاياتالمتحدة ظلت تخطئ باستمرار في طريقة تعاطيها مع الشأن السوداني بصفة عامة وأزمة دارفور بصفة خاصة، ففي عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون تم تصوير السودان باعتباره بؤرة ارهابية تهدد السلم والأمن العالمي، وبناءً على معلومات مضللة وساذجة قامت واشنطن بتوجيه ضربة صاروخية بصاروخ كروز دمرت بها مصنعاً للأدوية في مدينة الخرطوم بحري، شرقي العاصمة الخرطوم، ثم لما جاءت ادارة الرئيس بوش الإبن أعقب كلينتون جرى تصنيف السودان بوصفه دولة داعمة للارهاب ووضع في القائمة السوداء، وكالت له واشنطن ما كالت من الاتهامات والعقوبات أحادية الجانب رغم ثبوت براءة هذا البلد بل رغم ثبوت تعاونه المخلص في مكافحة الارهاب بشهادة إدارة الرئيس بوش نفسها ومع ذلك ظل السودان حبيس القائمة السوداء، ورهين العقوبات الاقتصادية الظالمة التي أضجرت حتى المستثمرين وأصحاب الشركات الأمريكية الخاصة وصاروا يحاولون التحايل عليها. الآن ادارة الرئيس أوباما انخرطت منذ مجيئها في قراءة وبحث الملف الدارفوري، وظل موفدها الخاص (سكوت غرايشن) في رحلات ماكوكية بين الخرطوم ودارفور وواشنطن وعواصم مجاورة، ثم ما لبثت أن توجهت أنظار واشنطن باتجاه الجنوب وبدأت تدعم انفصاله، ثم عادت وتخوفت من انفصال غير محمود العواقب قد يأتي بفوضى وحروب فبدأت في فرملة قطار الانفصال، كما أن واشنطن – البلد الديمقراطي المعتد بديمقراطيته – لم تشجع حتى الآن توجه السودان نحو الاستحقاق الانتخابي ولا تزال أجهزة صنع القرار هناك تدرس مآلات هذه الانتخابات!! لكل ذلك فإن اقرار واشنطن بحقيقة تحسن الأوضاع في دارفور، وان كان أمراً ايجابياً قد يساعد على انجاح المفاوضات الا أنه وكما قالت الخارجية السودانية غير كافي، كما أن واشنطن نفسها بمواقفها المتذبذبة مع الشأن السوداني تضر بمصالحها وبمصالح السودان والمنطقة وربما تسببت – من حيث لا تحتسب – في إعادة إنتاج الأزمة!