لم يكن الإقرار الأمريكي الأخير بتحسن الأوضاع في دارفور والذي نشرته صحيفة النيويورك تايمز رسمياً هو الشهادة التي ظلت تنتظرها الحكومة السودانية من واشنطن، فقد ردت الخارجية السودانية على الإقرار الأمريكي بأنه ليس جديداً ولا تعتبره (خبراً)! ولعل الحكومة السودانية – اختلفنا أو اتفقنا. معها – محقة في موقفها لهذا، فالمحك هنا ليس بما اذا كان هذا الطرف محق فيما يقول أو أنه اكتشف شيئاً كان غائباً عنه، المحك هو أن تحسن الأوضاع في الإقليم من عدمه هو أمر يتصل بالواقع على الأرض والواقع على الأرض تختص به جهتان، قوات حفظ السام (اليوناميد) والحكومة السودانية. وقد ظلت الحكومة السودانية طوال أشهر مضت تؤكد لكل من يزوروا الإقليم أن الأوضاع التي يراها أمامه مستقرة وكان الزائر يقر بذلك هنا ثم يذهب هناك ويقول عكس ما رأي وقال، ومع ذلك فان الحكومة السودانية لم تتواني عن ترديد ما تقول كما لم تتواني عن العمل على تحسين الأوضاع . واذا قلنا أن شهادة الحكومة السودانية في نظر المجتمع الدولي (مجروحة وغير مقبولة)، لماذا إذن لم تكن شهادة البعثة المشتركة المكونة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي مقبولة وهي قدمت لمجلس الأمن أواخر العام الماضي، بل لماذا لم تقبل شهادة قائد قوات اليوناميد السابق (مارتن أقوى) وهو المسئول اللصيق على الأرض بالأوضاع، والذي قالها صراحة ودون أي موارية أن أعمال العنف والصراع الدامي الدائر في دارفور قد انتهي؟! لماذا انتظرت الإدارة الأمريكية كل هذه الأشهر الطوال لتعترف بعدها في الدقيقة الأخيرة بصحة الشهادات السالفة الذكر؟ أن هذا بالضبط مكمن الظلم البائن الذي حاق بأزمة دارفور، فقد وقعت هذه الأزمة فريسة سهلة للدعاية الدولية الشعواء، على الرغم من أن أحداً ربما في ذلك الحكومة السودانية – لم ينكر وقوع أعمال عنف وجرائم ولكن المجتمع الدولي – كل منطلقاً من مصالحه – ظلوا وباستمرار يوسعون من نطاق الأزمة حتى بعد أن تلاشت عناصرها وغابت في الأفق العريض. ولعنا هنا نكتشف اذدواجية النظرة الأمريكية إلى أزمة دارفور، فهي مترددة ومتناقضة مع نفسها بشأن تعاطيها مع ملف دارفور، ففي جانب تدرك إدارة الرئيس اوباما – وفقاً لمعلومات حاضرة وموثقة حصلت عليها بطرق تطمئن لها – أن الأوضاع في دارفور ليست بالحجم المتداول دولياً وأن بالإمكان حلها، وما تحركات الموفد الخاص غرايشن الماكوكية في هذا الصدد الا دلالة على ذلك، ومن جانب ثان فان جماعات ضغط معنية تقف في اتجاه معاكس – داخل الإدارة – لتعيق تحركات إدارة أوباما وتعرقل القاطرة وهكذا، فان التجاذب الأمريكي الأمريكي حيال الأزمة أصبح هو نفسه بمثابة أزمة، وعلى كل فان إدارة اوباما التي أجزلت الوعود بالتغيير، وترى وتشاهد الآن توجه السودان نحو تحقيق استقرار وعملية تداول سلمي للسلطة، وتقرير مصير إقليم مهم من أقاليمه وهو الجنوب عليها – كما قالت الخارجية السودانية – أن تفعل امراً ايجابياً جاداً للمعاونة على حل الأزمة لأنها لو ظلت تتبع خطي جماعات الضغط هذه، فهي خاسرة لا مجال!