تحليل سياسي ما من شك ان ما حدث فى ولاية النيل الازرق كان نذير حرب والحرب عادة – مهما كانت مبرراتها، بل وحتى لو فرضت فرضاً – أمر مُستهجَن تعافه النفوس، ويتأذي منه الكل منتصراً كان أو مدحوراً مهزوما، ففي النهاية فان الدماء التى تسيل هى دماء لوطن واحد، وهى بلا جدال غالية . ولهذا فان الحرب فى الغالب شأن سالب، غير ان فى طيات ما هو سالب قد تختبئ فى كثير من الأحيان ايجابيات تمثل عنصراً دافعاً تترسخ به مبادئ الاستقرار والنزوع نحو الأمن والسلام . هنالك دون شك حتى ولو بدا للبعض غرابة فى ذلك عدداً من الايجابيات التى حملتها أحداث النيل الازرق فى مقدمتها ان المتمرد عقار حتى ولو دارت الأيام والزمان دورتهما ليعود فى المستقبل القريب أو البعيد عبر اتفاق او تفاوض، فقدَ بشكل كبير عنصر الثقة الجماهيري مهما كانت مبرراته، فالرجل جاءته قيادة ولاية غنية مهمة بالغة الثراء على طبق من ذهب لكنه ركلها فى وضح النهار راكلاً معها ثقة مواطنيه وثقة القيادة فى المركز ليصبح غير مؤتمن على ولاية يعيش فيها حوالي 28عرقاً إنسانياً متجانساً وفى واحد من أهم فصول السنة، فصل الخريف الذى تشتد حاجة المواطنين فيه للزارعة والفلاحة ، فالشاهد هنا ان اى تسوية مستقبلية محتملة – على فرض حدوثها – لن تمضي على خطي التجارب السابقة (اقتسام السلطة والشراكة) ، فقد طوي المتمرد عقار هذه الصفحة وهى أصلاً صفحة مطوية تجاوزها الزمن وعقار أهال عليها التراب. الامر الايجابي الثاني، ان عقار وضع نفسه أمام خيارين هما من أصعب خيارات أى سياسي، وهو إما ان تهزم قواته الجيش الحكومي هزيمة كاملة وينفتح له الطريق باتجاه القصر الذى طالما حلم به، أو أن ينهزم وينكسر تماماً ؛ وإن كان من منطقة وسطي محتملة بين الخيارين فهي أكثر سوءاً لأن الرجل سيضطر لقبول شرط ضروري ولازم، وهو تسريح قواته وإعادة دمجها قبل اى تسوية سياسية بما ينزع عنه والي الأبد أظافره التى ظل يتعامل بها فى الملعب السياسي منذ سنوات، وهو أمر شاق وشديد الوطأة عليه . الامر الايجابي الثالث ان عقار - وربما من حيث لا يحتسب - فتح الطريق للقضاء على تمرد رفيقه الحلو فى جنوب كردفان، ذلك ان من شأن حسم المعركة فى النيل الازرق – وهى لا محالة محسومة لصالح الجيش السوداني – ان يمثل ذلك حافزاً من جهة الجيش السوداني لإنفاذ ذات الاستراتيجية فى جنوب كردفان وعلى ذات النسق، وعنصر إحباط من جهة أخري للمتمرد الحلو، كون ان جبهتهم الثانية فى النيل الازرق قد انهارت بسرعة البرق، ولم تعد تصلح لتشتيت جهود الحكومة السودانية بغية إنهاكها وإضعافها. وعلى كلٍ الأيام وحدها الكفيلة بترجمة هذه الفرضيات القريبة من حقائق الواقع الى وقائع حاضرة تحدث وتتحدث عن نفسها بفصاحة وقوة !