دفع المؤتمر الشعبي القيادي بالحزب عبد الله دينق نيال ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية في الإنتخابات القادمة وذلك بعد أن نال 76% من الأصوات داخل الحزب وقال د. الترابي في مؤتمره الصحفي الذي عقده بدار الحزب أن القيادات السياسية ما فوق السبعين ينبغي أن يقتصر دورها على العمل الاستشاري فقط، وزاد بالقول أنه يجب على الأحزاب أن لا تتواضع على تسمية مرشح واحد في مواجهة البشير، وعليها أن تسمي مرشحاً كل على حدا بغرض تتشتيت الأصوات، وأضاف من الغباء تسمية الأحزاب مرشح واحد وأرجع السبب إلى أنه قد يتعذر على صاحب الولاء الحزبي أن يصوت لمرشح خارج حزبه. الشاهد في الأمر أن د. الترابي لا يخونه الذكاء السياسي، ويتمتع بخبرات تراكمية إذ تقلب بين الحكم والمعارضة عدة مرات لذلك الخطوة التي اتخذها حزبه بترشيح عبد الله دينق نيال كانت باشارة واضحة منه، ولم يشاء الترابي أن يضحي باسمه وتاريخه السياسي بالترشح أمام المشير البشير لأن قراءة الواقع السياسي بالسودان يقول أن البشير أصبح يتمتع بشعبية كبيرة مقابل تضاءل شعبية الترابي، خاصة وسط الإسلاميين منذ أواخر التسعينات، أما تبريره بأن على القيادات التي تجاوزت السبعين من العمر ينبغي عليها أن تصبح هيئات استشارية لأحزابها فإن هذا القول مردود عليه لأن الشواهد كلها تؤكد أن د. الترابي يمسك بكل ملفات حزبه، وهو مازال الأمين العام لحزبه والمفاوض الأول بإسمه مع كل التيارات السياسية الأخرى والترابي يشبه كثيراً صهره السيد الصادق المهدي في المراوغة والنكوص عن العهود إلا أن الترابي سلوكه في هذا الاتجاه أكثر سترة من صهره والتجارب دللت على أنه دائماً يقول ما لا يضمره في نفسه. أما مطالبته للأحزاب بتسمية كل حزب لمرشحه في مواجهة البشير وتبريره بأن صاحب الولاء الحزبي قد لا يعطي صوته لمرشح خارج حزبه، لا أظن البتة أن ذاكرة الشيخ قد شاخت بهذه السرعة، ففي التاريخ القريب وفي انتخابات 1986 سمّت كل الأحزاب السياسية مرشحاً واحداً لها في مواجهة د. الترابي ورشحت حسن شبو المحامي (إتحادي ديمقراطي) وذلك في دائرة الصحافة جبرة مما أدى لسقوطه وفوز مرشح الاتحادي الديمقراطي، وكما قلنا آنفاً أن الترابي يقول ما لا يضمره في نفسه، فهو يعلم جيداً أن الأحزاب وإن اتفقت على مرشح واحد لن يكون الترابي وذلك للأسباب التي ذكرناه قبلاً ليس هذا فحسب بل سيكون هناك صراع كبير في تسمية مرشح واحد للأحزاب بين القيادات التاريخية لها، ولنفرض أنهم تواضعوا على الانسحاب فلن يكون مرشحهم في قامة البشير وبالتالي ستكون فورقات الأصوات كبيرة جداً. وحديثه عن الولاء الحزبي وعدم التصويت لمرشح خارج الحزب فإنما قصد به د. الترابي نفسه فكارزيمته تأبى أن يعطي صوته لرئاسة الجمهورية لأي شخص لأنه يعتقد في نفسه أنه الأجدر بشغل هذا المنصب. إذن لكل ما قيل نخلص إلى أن د. الترابي مصاب بشيء من الارتباك وليس البلاد كما قال، ومن حديثه في مؤتمره الصحفي نشتم زهد الأحزاب في خوض الإنتخابات لأن كل المعطيات في دوائرها الجغرافية الانتخابية التي كانت تعتمد عليها سواءً كانت هذه الأحزاب طائفية او عقائدية، فقد تغيّرت تركيبة سكانها وبالتالي تغيّرت أمانيهم في الحياة انتشر الوعي بينهم وذهب الولاء الأعمى إلى الجحيم، فدارفور لم تعد دارفور ماقبل عشرين أوثلاثين عاماً وكذلك الشمال والشرق والجنوب. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 6/1/2010م