فرغ المواطنون السودانيون – بعد طول إنتظار وترقب – من تقييم امكانيات القوى السياسية المعارضة التي تطلق علي نفسها مسمى أحزاب ملتقى جوبا، وهي مجموعة أحزاب، دعتها الحركة الشعبية (لهدف خاص حجبته عنهم)، واستطاعت أن تعتلي ظهور هذه الأحزاب وأن تحقق قدراً مما كانت تريده ثم فتر حماسها تجاههم، فتركتهم لصقيع الشتاء السياسي القارس بلا غطاء، ولا ملاذ دافئ. فقد كان بعض المواطنين السودانيين ممن لا يزالوا يحسنون الظن بهذه الأحزاب يعتقدون أنها ربما تخرج بشئ يعطي الساحة السياسية حرارة المنافسة وزخم التباري السياسي، بحيث تتسع بذلك حلبة المنافسة الشريفة، ويتسع نطاق اختيارات الناخبين السودانيين المتطلعين لتداول سلمي ديمقراطي للسلطة، الا أن هذه القوى السياسية المعارضة لم تكن أبداً عند حسن ظن من أحسنوا بها الظن كما بدأ جلياً في الاسبوع المنصرم، ففي الوقت الذي كان قرار هذه القوى يوم التقاؤهم في جوبا أنهم بذرة حية لتحالف عريض، وأن لديهم ارادة اتخاذ قرار خوض الانتخابات او مقاطعتها، واجتمعوا اكثر من اربعة مراتوانفضوا وفي كل مر يؤجلون اتخاذ القرار، فإن كل حزب منهم صار يقرر منفرداً ترشيح مرشحيه وكل حزب قرر منفرداً خوض الإنتخابات. وحتى مع هذا المناخ والجلبة والتنافر،فإن التكتيك الذي قال به بعض قادة هذه الأحزاب هو أنهم سوف يرشحون، عدداً من المرشحين للرئاسة حتى تتشتت الأصوات، على حد تعبيرهم، فتضطر مفوضية الانتخابات العامة للقيام بعملية إعادة، وما أن تتم عملية الاعادة حتى يوحدون جهودهم – وقتها – خلف المرشح الأعلى صوتاً، للقضاء على مرشح الخصم!! هذه ببساطة شديدة – استراتيجية القوى السياسية المعارضة – خطة مكشوفة ومبسطة، وتعتمد على أمر (غيبي) تماماً لأننا لو تساءلنا ببراءة وما الحل اذا لم (تتشتت) الأصوات؟ بل اذا تساءلنا عن أسباب اعتقاد هذه القوى الجازم عن أن الأصوات سوف تتشتت لما وجدنا إجابة مقنعة وشافية، فالعبرة في العملية الانتخابية بالجماهير والتي بدورها تقتنع مسبقاً ببرامج المرشحين، وتثق في جديتهم وامكانية تنفيذ هذه البرامج وليست فقط عملية تصويت الهدف منها القضاء على الخصم. ولعل الأمر المؤسف في هذه الاستراتيجية أن القوى المعارضة تفترض مسبقاً أن الناخبين السودانيين سطحيين وبسطاء ويجهلون تماماً العمل السياسي بل ان الخطة في الواقع تعتمد اعتماداً رئيسياً وكلياً على سذاجة الناخبين السودانيين، ولهذا السبب – ومع ما هو معروف من تمتع المواطنين السودانيين بحس سياسي رفيع ووعي، فإن السودانيين استطاعوا ان يستيقنوا – بسرعة شديدة وبذات البساطة – من وزن هذه القوى السياسية، فهي لم تستطع التوحد الآن والتحالف لمنازلة خصومها، فكيف لها أن تتوحد لاحقاً؟ وهي لم تقدم في السابق – في سنوات مضت حكمت فيها – شيئاً تفاخر به – فكيف يطمئن لها القلب لتقدم شيئاً الآن؟ وهي عاجزة حتى هذه اللحظة رغم أن ما تبقى للانتخابات شهرين أن تصوغ برنامجاً واقعياً مقنعاً تجتذب به الناخب السوداني، فكيف لها أن تتسلم ادارة بلد بكامله؟ الأمر في مبتداه ومنتهاه لا يعدو كونه اخفاقاً تحاول هذه القوى مداراته وهي بهذا الصدد ترهق نفسها بلا طائل فقد عرفها الناخب السوداني، وربما قرر قراره وهي لا تعلم!