في المرة الأولى – قبل نحو من أيام – كانت القوى السياسية المعارضة في السودان تلتقط بلهفة خطة الدكتور حسن الترابي أمين المؤتمر الشعبي التي عرفت بخطة تشتيت الأصوات في المنافسة الرئاسية وتقضي الخطة – بحسب عرّابها الترابي – بأن يتكاثر عدد المرشحين الرئاسيين (من كل حزب ينسلون) بحيث تتشتت أصوات الناخبين وتتوزع فيما بينهم للدرجة التي يعجز فيها مرشح المؤتمر الوطني الرئاسي المشير البشير عن احراز نسبة النجاح القانونية (50% + 1)، لتُعاد الانتخابات في جولة ثانية وحينها تتكتل القوى المعارضة خلف المرشح المنافس للبشير ومن ثم يتم اسقاط الأخير! هذا في المرة الأولى. الآن وبعد مرور اسابيع على الخطة خرجت القوى السياسية (بخطة جديدة) ابتكرها لهم هذه المرة السيد مبارك الفاضل القيادي بحزب الأمة. ومؤدي خطة مبارك هو مفاجأة المؤتمر الوطني بمرشح واحد منذ البداية تدعمه كافة القوى المعارضة!! ومن الواضح ومما لا يحتاج حتى لشرح أن الخطتين متعارضتين، فالأولى تفترض (نزع) الأصواع عن البشير حتى يتم تجريده منها ليتم اسقاطه في المرة الثانية حين ينفرد ومعه منافس مدعوم من المعارضة بالعملية. والثانية تفترض، المواجهة منذ البداية. الخطتان تلتقيان عند أمر واحد وهو اسقاط البشير وليس اسقاط اي مرشح آخر على الرغم من أن المرشحين (12) مرشحاً والتباين بينهم قائم في أمور شتى، والخطتان تلتقيان أيضاً في أن هزيمة البشير أمر شاق يتطلب (خطة جماعية)!! والخطتيان أيضاً تلتقيان في أن المرشحين الرئاسيين لا يملك أي واحد منهم الثقة الكافية في نفسه وفي برنامجه على تحقيق الفوز لأن العملية الانتخابية هي عملية فوز بعد عرض لبرامج وجدية وليست عملية اسقاط والحاق هزيمة بشخص واحد، وبعد ذلك فليحدث ما يحدث! غير أن ما لم يتحسب له واضعي هذه الخطط انهم أولاً سيفقدون ثقة الناخبين ان لم يكن بالفعل قد فقدوها بإكثارهم من الخطط واعطائهم انطباع بأن الهدف الأساسي والأوحد من العملية هو القضاء على المرشح الرئاسي البشير. من الطبيعي في حالات كهذه أن ترتد العملية وتصبح نتائجها عكسية، فالخصم الذي يجتمع له المجتمعون ويضعون له الخطط في كل يوم هو خصم قوي، والناخب السوداني – فضلاً عن طبيعة السودانيين النفسية – سوف يميل نحو الأقوى المستهدف من المجموعة كلها ولا نبالغ ان قلنا ان (خطط) القوى المعارضة هذه أفادت ورفدت حملة الرئيس البشير بأكثر مما أفادته حملته نفسها، فهو الوحيد الذي توضع له الخطط، وتجري بشأنه التحالفات وتقوم التنازلات ولعل صاحب الخطة الأخيرة السيد مبارك الفاضل الذي تنازل مجبراً عن ترشيحه لصالح (ابن عمه) السيد الصادق بعد التوحيد (المتعجّل) للحزب أراد أن يداري على عملية تشتيت الأصوات لأنه بدأ في إصابتها في مقتل بتقليله لعدد المرشحين ولهذا تفتق عقله عن فكرة المرشح الأوحد!! وعلى اية حال فإن هذا الارتباك في الخطط وحده يكفي دليلاً على مقدار العجز والشلل الذي تعاني منه القوى السياسية فلا هي أقنعت الناخب السوداني بأنها قادرة على المنازلة ولاهي قادرة على اقناعه بأنها – اذا نجحت قادرة على الحكم وتلبية طموحاته وتلك هي مأساة السياسة الحقيقية في السودان!