لن نحتاج فى هذا التحليل الى الحديث المفصَّل عن مجموعات الأزمات الدولية، مقرها، ومصادر تمويلها، وأهدافها والأغراض السياسية التى آلت على نفسها وأوكلها لها آخرون للقيام بها، فمما هو معروف ومفروغ منه أنها مجموعة لم يُعرف لها منذ ظهورها للوجود منذ أكثر من عقد مواقفاً موضوعية متوازنة خاصة فيما يلي الشأن السوداني. بل يمكن الجزم – دون أدني تردد– ان الشأن السوداني – وحده – دون سواه هو شغلها الوحيد الشاغل، ويكفي فقط لأغراض هذا التحليل معرفة ان تمويلها أمريكي، وغالب إن لم يكن كل (سدنتها) أمريكيين ذوي خلفيات صهيونية. المجموعة فى أحدث تقرير لها حثت المجتمع الدولي للتدخل (بسرعة) -بحسب تعبيرها- فى السودان الذى وصفته بأنه يواجه خطر اندلاع حرب أهلية شاملة. وقالت المجموعة من مقرها فى العاصمة البلجيكية (بروكسل) -الاثنين الماضي- ان تصاعد أعمال العنف والمواجهات الدائرة فى جنوب كردفان والنيل الازرق سوف تقود السودان لحرب أهلية طاحنة تلقي بآثار سالبة على دولة الجنوب الوليدة ! مجموعة الأزمات عزت الحروب الأهلية الوشيكة الى ما أسمته الخلافات حول تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشاملة، خاصة بند الترتيبات الأمنية فى ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان إضافة الى فشل عملية التحول الديمقراطي وتعطل المشورة الشعبية والفشل فى إيجاد حل لوضعية قوات الجيش الشعبي فى الشمال ! و حَرِصَ التقرير على التأكيد على ان (المتشددين) فى المؤتمر الوطني يفضلون الحل العسكري على المفاوضات مما يرفع من وتيرة العنف خاصة عقب وصول د. خليل الى دارفور مؤخراً! والواقع لن نغالي ولن نظلم المجموعة ان قلنا إنها كعادتها بدت مفارقة تماماً للموضوعية، ونورد فى هذا الصدد قبل مناقشة ما أودره التقرير أنَّ من الواضح ان التقرير (مبني على تقرير)، وفى الغالب فان هذه التقارير من جهات هى نفسها الجهات المنفذة لأجندات قوي دولية تعرفها المجموعة جيداً. بالنسبة للخلافات حول اتفاقية السلام الشامل الى قالت تقارير المجموعة انه أحد أسباب الحرب المتوقعة، من الواضح ان (كتبة التقرير) يغالطون الواقع، فاتفاقية السلام الشاملة نفذت بنداً بنداً حتى انقضت تماماً والفارق شاسع للغاية مابين بنود الاتفاقية المنفذة، وما بين القضايا العالقة، لأن الأخيرة تتصل بأمور خاصة بالدولتين السودان وجمهورية جنوب السودان (نزاع أبيي، الحدود، والنفط) وإشارة المجموعة لهذه النقطة فيه خلط مقصود، واستهانة بالعقول ، فلو لم يتم تنفيذ اتفاق السلام الشامل لما كانت هنالك الآن – فى الوجود – جمهورية جنوب السودان التى يخشي كتبة التقرير عليها من تداعيات الحرب الأهلية فى السودان، ولكنهم لا يخشون عليها من الحرب الأهلية الداخلية الجارية الآن فيها والمتمثلة فى تمرد أطور ورفاقه ولا يخشون عليها ايضاً أزمة الغذاء والمجاعة التى تضرب ما يقارب المليون ونصف مواطن جنوبي. ولأسباب لا تخفي على أحد فان التقرير لا يتعرض لأسباب المواجهات فى جنوب كردفان والنيل الازرق ومن كان البادئ وما تسبب فيه ما جري من جانب متمردي الحركة، وهذا فيه تحامل مقصود على الحكومة السودانية لا يخدم موضوعية النظر فى النزاع ولا يقدم مؤشرات على حل مناسب، فالمتمردين تحت دوافع مختلفة قاموا بخرق العملية السلمية وأرادوا فرض رؤاهم عبر العمل المسلح ؛ هل من المنطق – والحال هذه – ان يُطلب من السلطة الحاكمة الوقوف موقف المتفرج، أو اللهث وراء حملة السلاح للحوار والتفاوض؟ ان الامر هنا لا يتصل بمتشدد أو متساهل، وإنما يتصل بأناس حملوا السلاح بغير مبررات وأعاقوا العملية السلمية والعملية الديمقراطية، ولم تجد مجموعة الأزمات أدني قدر من الشجاعة للإقرار بذلك ولتجريم سلوك المتمردين . من جانب ثانٍ، فان التقرير ايضاً (تغافل) العروض التى قدمتها السلطة الحاكمة لتسريح وإعادة دمج الجيش الشعبي، وتجاهل إصرار قادة الحركة على بقائها هكذا داخل الدولة لتصبح الحركة دولة جديدة بداخل جمهورية السودان تفرض رغباتها بالقوة . من الواضح ان التقرير ما هو إلاّ تلخيص كامل لمفهوم الازمة فى أذهان المتمردين وترديد لحججهم الواهية وإعانة لهم - عبر عملية دعائية - لطمس حقائق الوضع وإبدالها بحقائق مختلَقة ومختلِفة! ومجموعة الأزمات لفرط ما برعت فى هذا المجال، فهي سارعت بإصدار هذا التقرير لتشرع فى صناعة أزمة جديدة غرضها الأساسي إعادة تفكيك السودان بعد قيام دولة الجنوب لتشكيله وفق ما تشتهي الجهات التى تدير المجموعة وتحركها !