الإجابة سهلة ومبسطة للغاية، هم يفقدون عنصر الحق، ويستبدلون ما هو ممكن بما هو مستحيل. ولكي نوضح الصورة أكثر لننظر ونتأمل ملياً نموذج الحركة الشعبية فى جنوب السودان قبل الانفصال فقد ظلت تقاتل عدداً من الأنظمة الحاكمة لعقود طويلة حتى اعتبرت الحرب فى جنوب السودان الأطول من نوعها فى أفريقيا ماذا كانت النتيجة؟ تلقت الحركة الشعبية هزائماً متتالية وظلت (تلف وتدور) على أطراف الاقليم الجنوبي غير قادرة على السيطرة على عاصمة الجنوبجوبا فى الوقت الذى كانت تهدد فيه باستمرار بأنها (تسعي لتحرير السودان)! وليس أدل على ان الحركة الشعبية لم تحقق شيئاً بالسلاح، رغم الدعم الهائل إقليمياً و دولياً الذى كان ينهمر عليها باستمرار من جلوسها في خاتمة المطاف على طاولة التفاوض، وهو ذات التفاوض – لسخريات القدر – الذى رفضته قبل ان تتكبد كل تلك الخسائر خاصة فى مقتبل حكم الإنقاذ فى العام 1989. لو كانت الامر سهلاً لاجتاحت الحركة كل مدن السودان وسيطرت على العاصمة الخرطوم وأقامت مشروعها الخيالي العريض (السودان الجديد) . الآن الخطأ نفسه يكرره (وكلاء) عنها - للأسف الشديد- فى جنوب كردفان والنيل الازرق ، يعتقدون ان بالإمكان إحداث أثر سياسي بالسلاح، والأغرب من ذلك ان الحركة القديمة نفسها تعاونهم فى الاتجاه نفسه غير المجدي الذى لم تحقق من رائه شيئاً. وقد رأينا كيف تلقت المجموعات المتمردة فى جنوب كردفان ضربات موجعة من الجيش السوداني؛ وإذا قسنا هدفها من الهجوم مع ما لحق بها من هزائم لوجدنا الامر فيه مفارقة بالغة! فكل التحضير والجهد والتخطي كان من أجل احتلال مدينة تلودي شرقي العاصمة الولائية كادوقلي. أكثر من 700 مقاتل منهم فقط لهذه المهمة مع الوضع فى الاعتبار انه وحتى فى حالة نجاح الهجوم فان المحافظة على الموقع كان من رابع المستحيلات كما يؤكد ذلك عشرات الخبراء العسكريين فالمتمردين ليسوا شعباً أو جماهيراً وإنما هم مجرد مجموعات مسلحة تتلقي الدعم من دولة الجنوب، هم يسعون الى أغراض خاصة بهم، ودولة الجنوب تستهدف من ورائهم أغراضها الخاصة. ولهذا كان من المحتم ان تلحق بهم الهزيمة. قس على ذلك النيل الازرق وما جري لعقار وقواته التي كان يباهي بها ويهدد ويتوعد على وقع خطي جنوده، أصبحت الآن ما بين عشية وضحاها مجرد (فلول) يبحث كل واحد منهم عن طريق من الطرق ليخلص به نفسه إما بالعودة وتسليم نفسه للجيش السوداني (وقد فعل ذلك العشرات) ، أو بالاستمرار فى قتال خاسر عاجلاً أم آجلاً . الامر فى هذا الصدد فى مجمله يتعلق بافتقار عقيدة القتال وموضوعية أسباب القتال،كما يتصل ايضاً بضيق السودانيين - وهم محقين- من هذا التخريب غير المجدي للاستقرار والأمن فى ظل ظروف صعبة، وفوق كل ذلك فان هؤلاء المتمردين كما شهدنا ورأينا تبدأ برامجهم و تنتهي - إن وجدت - بالسلاح وحده فليست هنالك آفاق سياسية ولا وازع وطني؛ وتلطخت ثيابهم بوحل أسود من (قذارة أجنبية) وفواتيرها الباهظة المؤجلة. أناس بهذه المصائب كيف لهم ان يهزموا نواة الحياة الطبيعية السودانية المرتكزة على تاريخ مجيد لا شك فيه ؟