تحليل سياسي بدلاً من ان تزداد فرص وسوانح قوي المعارضة السودانية تجاه خصمها الوطني ومن ثم تنفتح لها طاقة الأمل لفعل شيء، فإنها لسوء الحظ ضاقت بالخيارات وضاقت بها ميادين العمل السياسي والعسكري بما رحبت. ففي منحي تفاجأت به مفاجأة كاملة، سقطت من يدها ورقة حقوق الإنسان والورقة الأكثر استخداماً من جانب القوى المعارضة حيال الحكومة السودانية، بعد صدور قرار مجلس حقوق الإنسان الأخير، الذى قضي بإنهاء ولاية الخبير المستقل والاستعاضة عنها بدعومات فنية تساعد السودان على تحسين سجله الحقوقي أكثر. وهو تطور يصعب التقليل منه بحال من الأحوال لأنه يقطع الطريق تماماً على التقارير المفبركة والاتهامات المرسلة والسوق الدعائي السابق الذى ظل يكبل حركة البلاد ويعيق تقدمها. مفاجأة قوي المعارضة بهذا التطور الكبير كانت كاملة بحيث ألجمت الألسن وأخرستها، وهو أمر طبيعي جراء رهان هذه القوى على عوامل خارجية لم يدروا ان هذه العوامل الخارجية هى دائماً عرضة للتغيُّر والتبدل وفق سنن ونسق الحياة التى لا تسير على وتيرة واحدة على طول الخط، كما لم يدروا بأن الحقائق – مهما كان طول الزمان بها – ظاهرة وثابتة يوماً ما لا محالة. فى منحي آخر فقدت المعارضة ايضاً وحدة الصف على الرغم من ان هذا الامر قديم ومتواصل منذ تجربة التجمع الوطني الشهيرة الذى كان شتاتاً بأكثر مما هو تجمع و يتحاشى مكونوه الآن مجرد استدعاء سيرته المخجلة وحصاده الهشيم. الفقد الجديد تمثل فى عودة وحدة الحزب الاتحادي واقترابه الشديد من الحزب الوطني وإمكانية مشاركته فى الحكومة التى يجري التشاور حولها. هذا التطور يصعب الآخر التقليل منه، فالحزب الاتحادي حزب وسط سوداني له جذوره وجماهيره، واقترابه من الوطني قاصم لظهر القوى المعارضة مهما تظاهرت بغير ذلك وقللت من الخطوة. الفقد الثالث - الأكثر ألماً ومضاضة - ان العمل المسلح يتراجع بسرعة مذهلة، فالضربات التى يتلقاها عقار فى النيل الازرق من السخونة والشدة بحيث دفعت ضباط كبار من الجيش الشعبي بجمهورية جنوب السودان لتفقد (ما تبقي) من قوات عقار فى محاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه لمواصلة القتال بعدما أكد الجيش السوداني اقترابه الشديد من مناطق تمركز قوات عقار فى مدينة الكرمك . على الجانب الآخر، فان وصول منسوبي حركة التحرير والعدالة فى دارفور عقب توقيع وثيقة الدوحة، أحبط حركتي عبد الواحد وخليل وأثار فزعهما ولهذا لم يجدوا مناصاً من توجيه ضربات والقيام بعمليات اغتيال خسيسة بكل ما تعنيه الكلمة لعرقلة مسيرة السلام، بما يشير الى فقدان حركات دارفور المسلحة الرافضة للسلام لأعصابها وهو مظهر ضعف بائن لا جدال فيه. هذه المشاهد المتناثرة إذا جمعناها فى مشهد واحد تعطي صورة متكاملة لحال القوى المعارضة ووصولها لسن اليأس السياسي، وهذا بدوره ناتج عن إضاعة هذه القوى لعشرات الفرص والسوانح التى أتاحتها لها الحكومة السودانية، ليس أقلها المشاركة فى حكومة قاعدة عريضة وقيام شراكة وتسريح وإعادة دمج قواها المسلحة، ومعالجة كافة قضايا البلاد ؛ فالمصيبة تبدأ وتنتهي بالنسبة لهذه القوى المعارضة فى تقديراتها الخاطئة بأنها قادرة على إزالة الحكومة السودانية !