تحليل سياسي شهدت أروقة قوي المعارضة السودانية طوال العقدين الماضيين عشرات التجمعات والتحالفات السياسية والجبهوية التى كانت تدور جميعها حول إطار إسقاط النظام القائم فى السودان. وبالطبع لو ان منهج المتحالفين هذا كان سليماً فان هذه التجارب – ولعقدين من الزمان – ما من شك كانت كافية لإيصالهم الى أهدافهم، ولهذا فإننا كمراقبين، كلما شهِدنا ميلاد تحالف جديد وتمعنا فيه وجدنا ذات الداء وذات العلة وأيقنا أن الامر لن يكون حظه بأفضل من سابقيه. فقبل أشهر قلائل فقط شهدنا ميلاد تحالف كاودا، والذي جمع حركة تحرير دارفور بزعامة عبد الواحد ومناوي والحركة الشعبية بشمال السودان. تحالف كاودا هو لا يزال فى المهد، مات قبل ان يحقق شيئاً، فالضربات التى وجهها الجيش السوداني للحركة فى جنوب كردفان والنيل الازرق من الجسامة بحيث قضت على أى بارقة أمل فى ان يعيش الجنين الوليد طويلاٍ، إذن ما العمل؟ لم يجد قادة التحالف – وهم مأخوذين بوقع المفاجأة والصدمة – مناصاً من البحث عن تحالف جديد، فظهر للتوّ التحالف الثوري او الجبهة الثورية بإضافة حركة خليل المتعبة، والتي تعاني انشقاقاً تاريخياً غير مسبوق . الوليد الثوري الجديد كما يطمح منشئوه لا يبدو ان حظوظه أفضل ذلك ان العلة فى هذه التحالفات منذ التجمع الوطني فى مطلع التسعينات من القرن المنصرم هى ذات العلة المتنقلة باستمرار فى التحالفات اللاحقة، مجرد أوراق يتم التوقيع عليها، والدفع بها لأجهزة الإعلام وإطلاق الخبر! ولكن على ارض الواقع لا وجود لأدني حد يجمع المتحالفين لأنه - ببساطة شديدة- لو ان هنالك حد أدني يجمع هؤلاء المحالفين وهم جميعهم سودانيين ويزعمون ان هدفهم واحد لماذا لم يلتئم شمل حركة مناوي وعبد الواحد على الأقل باعتبار أنهما كانا فى السابق وحتى العام 2005 حركة واحدة. وإذا لم تكن عناصر التنافر بين هذه المكونات اكبر بكثير من عناصر التحالف لماذا فشلت الحركة الشعبية وهى التى تزعم قيادة الهامش فى جمع هؤلاء على صعيد الهامش الواحد؟ الامر يبدو مثيراً للسخرية والشفقة الى حد يصعب تصوره، وكما قلنا ظلت العلة دائماً فى جوهر التحالف وليس فى المسميات وإضافة هذا الفصيل او ذاك. أما اكبر ما يهزم هذه التحالفات – وهى للأسف الشديد لا تعي الدرس مطلقاً – هو أنها تقاتل دولة وليس نظاماً. المشكلة ان الحكومة السودانية الحاكمة الآن تمثل دولة بجماهير ومؤسسات، وحتى الذين لا انتماء لهم أو ليسوا على وفاق او قناعة بالمؤتمر الوطني فإنهم من واقع خبرتهم السياسية وتجارب الماضي يلوذون بحمي الوطني باعتباره الأكثر دربة وخبرة فى إدارة دولة تعتبر إدارتها بتنوعها هذا ومشاكلها وأزماتها ضرباً من المستحيل. و يعلم كل مواطن سوداني – مهما كانت درجة وعيه السياسي – ان هؤلاء المتحالفين لا يتحلوا بالقدر المطلوب من المسئولية الوطنية سواء لارتباطهم البيِّن بجهات خارجية معادية، او بالغبن والضغينة التى تحركهم ؛ فالغبن والضغائن والارتباط بالأعداء من المستحيل بناء دولة به ولهذا ظلت هذه التحالفات – وستظل – تفشل وتصبح موضعاً للتندر السياسي طالما أنها لم تع بعد طبيعة وتركيبة الإنسان السوداني الذى لم يعرف العنف واستخدام السلاح والمؤامرات الخارجية وسيلة لتغيير الأنظمة. لو ان جماهير السودانيين وصلت الى قناعة تامة بأن السلطة الحاكمة ليست جديرة بالبقاء فى السلطة، هي دون شك تعرف الطريق، ولديها الإرادة ولن تنتظر، وما انتظرت فى يوم ما -وصفحات التاريخ شاهدة- متحالفين يأتونها من الخارج ليقودوها وجيوبهم منتفخة بأموال المخابرات الأجنبية وظهورهم مثقلة بالفواتير الباهظة المؤجلة والكمبيالات السياسية الواجبة السداد !