تحليل سياسي كان أقصي ما ظل يعتمل فى صدر بعض القادة الجنوبيين ان يشعروا – ولو بالمخادعة العابرة – أنهم أنداد لرصفائهم السودانيين، وأنهم أصبحوا- حسب ما يترائي لهم – مواطنين من الدرجة الأولي بعكس شعورهم السائد فى الماضي، وقد ظهر قدراً من هذا المشهد فى الزيارة الأخيرة للرئيس كير ووزرائه الى الخرطوم، فقد انشغل العديد من مرافقي كير بالمظهر الإعلامي الذى يمنحهم شعور الندية والتعامل المتساوي فى كل شيء مع بني جلدتهم فى الشمال، ذلك ان من الصعب - ونحن مجبرين لإقرار هذه الحقيقة - ان يتخلّص العديد منهم من ذاك الشعور الخاطئ المترسب بداخلهم منذ عقود، ولذا جعلوا من الزيارة سانحة نادرة (لملء الفراغ بداخلهم) والانتصار لأنفسهم! على سبيل المثال فان الوزير دينق ألور على الرغم من ان كل نشأته وتعليمه جري فى الشمال باعتباره من دينكا نقوك فى منطقة أبيي، إلا أنه حرص حرصاً غريباً على التعامل بقدر وافر من التعالي وإشباعاً لرغبة دفينة .ألور وعلى الرغم ن ان قادته جاءوا الى الدولة الأم (للحاجة الشديدة الماسة) التى يعرفها جيداً إلا انه وفي حوار أجرته معه صحيفة الأهرام اليوم السودانية – الأحد – بدا حريصاً على إظهار قدر من التعالي كبير على جمهورية السودان ؛ فقد قال ألور ان جمهورية جنوب السودان ليست لديها مشاكل اقتصادية كما هو الحال بالنسبة للسودان! و زعم ألور ان لدي حكومته فى جوبا مخزوناً من النقد الاجنبي والعملات الصعبة غير متوفر لدي الخرطوم. ومضي ألور فى حديثه ليؤكد ان كل من المتمرد عقار والحلو وعرمان حركة شعبية بما يعني ضمنياً أنهم (أذرع لحكومة الجنوب) تعمل فى السودان لصالح جنوب السودان والحركة الشعبية! ألور كان يقول ذلك للإعلام والصحف بينما رئيسه داخل الغرف المغلقة يطلب مساعدة الخرطوم ودعمها فيغدق عليه الرئيس البشير بميناء بورتسودان ! دينق ألور كان يطلق للسانه العنان فى التباهي بعلاقات جوبا بتل أبيب، وبقية أفراد وفده يحثون الخرطوم على فتح الحدود وتأمينها لتنساب الأغذية والسلع والاحتياجات. لقد كان واضحاً ان قادة الجنوب يستَجدون الخرطوم لكي لا يدفع الجوع مواطني الجنوب للثورة ضد الحركة الشعبية الحاكمة فى جوبا، ومع ذلك لم يستحي ألور عن الحديث عن قوة الاقتصاد الجنوبي مقابل اقتصاد السودان! لو أن أمراً كهذا كان قد جري فى اى بلد آخر لعاد الوفد الجنوبي خائباً يجرجر الحسرة والخيبة والندم، ولكن (حسن حظ) جمهورية جنوب السودان جعل الدولة الأم دولة سودانية لا ترد مستجيراً ولا تحرِج سائلاً مهما كان جرمه وعدائيته، ففي النهاية هنالك وشائج الدم و رباط الأخوة الذى ما يصح ان يتحمله موطن الجنوب لمجرد ان الحركة الشعبية التى تدير شأنه أدخلته فى هذا النفق المظلم! دينق ألور نموذج للقيادي الذي ما جاء الى الخرطوم مسئولاً لدولة أجنبية إلاّ للتباهي أمام إخوة الأمس ويفاخر بمواطنة جديدة ظلت هى وحدها مأساة العمر بالنسبة لهم !