تداولت وسائط عديدة الأسبوع الماضي بطرق مختلفة، الجفوة السياسية التى بدت بوادرها بين رئيس جمهورية جنوب السودان وبعض قادة قطاع الشمال أمثال عرمان وعقار. وقد توفرت ل(سودان سفاري) أنباء مؤكدة من مصادرها فى العاصمة الجنوبيةجوبا ان عرمان فشل فشلاً ذريعاً فى التقاء الرئيس كير رغم وساطة مكوكية دءوبة قادها دينق ألور. ورجحت مصادر سفاري فى جوبا ان تكون أسباب الجفوة مردها الى النصائح الأمريكية الموجهة للقادة الجنوبيين فى صيغة آمرة بالابتعاد كلية عن (عصبة قطاع الشمال) وقد دعمت هذا الاتجاه أنباء مماثلة من واشنطن مفادها ان قادة قطاع الشمال الحلو وعقار وعرمان أصبحوا (عملة متهرئة) ومن شأن التعامل معهما إلحاق خسائر سياسية فادحة بجمهورية جنوب السودان وهى في غني عنها فى الوقت الذى تبذل فيه الإدارة الأمريكية جهداً مضاعفاً – على حد تعبير المصادر – لاسترضاء الجانب السوداني حتى تعتدل علاقاته بجارتها جمهورية السودان ليتسنى لواشنطن رعاية مصالحها فى مناخ آمن ومستقر . ويشير قيادي بارز بحزب الحركة الشعبية الذى انهي تسجيله مؤخراً كحزب يود العمل وفق مشروعية قانونية الى ان الأمور باتت مختلفة تماماً عن ما كانت عليه فى السابق – على حد تعبيره – حيث لم تعد لواشنطن ذات الرغبة القديمة فى تبني أطروحات عرمان وعقار والحلو المتعلقة بعلمانية الدولة والتهميش وغيرها من الأطروحات السياسية الشحيحة الرواج فى الساحة السياسية السودانية. ويبدو ان إدارة الرئيس أوباما رغم كل ما ظل يعتمل فى نفسها من هواجس من الحزب الحاكم فى السودان وأيدلوجيته الإسلامية إلا أنها قادرة على ادارك كامل بأن أى وضع سياسي معاكس لهذا الوضع من شأنه ان يهيج الساحة السياسية السودانية وهى قريبة من الاستقرار التام. فالأيدلوجية التي يتبناها الوطني – بحسب تقديرات واشنطن – لم تعد تشكل استقطاباً حاداً ولا مخاطر على أمن الولاياتالمتحدة وقضايا الإرهاب خاصة وأنها تري و تراقب الآن موجة تحول واسعة النطاق فيما يعرف بالربيع العربي الإسلاميون فيها يشكلون عنصراً محورياً وعموداً فقرياً لا غني عنه وبإمكاننا هنا ان نستحضر مقولة وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) لقناة الحياة المصرية الشهر الفائت من ان واشنطن لا اعتراض لها على وصول الإسلاميين للسلطة فى مصر عبر الانتخابات المرتقبة هناك. صحيح قد لا يبدو ان واشنطن متوافقة تماماً مع هذا الواقع، وقد تحاول إحكام سيطرتها على إطاره العام، ولكن بالمقابل فان من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان تعمل واشنطن – كما تفعل فى السابق – ضد رغبات الشعوب، ذلك ان اى مساس برغبات الشعوب وتوجهاتها أصبح دائماً باهظ الثمن سياسياً لواشنطن، فما حدث فى مصر للإسلاميين طوال القعود لثلاثة الماضية وما جري فى تونس والجزائر وليبيا واليمن وحتى سوريا، عاد الآن ليشكل واقعاً باهظ الثمن لواشنطن عليها القبول به. من هنا يمكن قراءة طبيعة الوضع المتأزم الآن بين قيادة الحركة فى جمهورية الجنوب والرفاق القدامى فى الشمال. لقد فرضت الظروف والمتغيرات الطلاق البائن، وان يتحمَّل كل طرف التزاماته وحده وبمعزل عن الآخر، ومن المؤكد ان عرمان على وجه الخصوص انكشف الآن ظهره تماماً، فلا هو قادر على إعادة كسب إخوة الأمس فى الجنوب، ولا هو يملك رصيداً فى الشمال ولا الحركة الشعبية المسجلة الجديدة تتسع لطموحاته !