أقدم أفراد من الحركة الشعبية بقرية تدعى (حجر جواد) بولاية جنوب كردفان على تصفية قيادي بالمؤتمر الوطني بالمنطقة. القيادي القتيل يدعى (عبد الله الياس)، قام الجناة بمهاجمته في طريق عودته إلى منزله ليلاً -حسب شهود عيان. ووفقاً لمتابعات (سفاري) فإن هذه لم تكن هي الحادثة الأولى من نوعها، فقد سجلت مضابط الشرطة أكثر من عشرة حوادث على هذا النحو سواء في جنوب كردفان أو النيل الأزرق استهدفت فيها عناصر الجيش الشعبي عناصر من المؤتمر الوطني. ولعل القاسم المشترك في هذه الحوادث أنها جميعها تشترك تتم بطرق غادرة تفتقر لعنصر الرجولة والفروسية ومواجهة الخصم للخصم دون استغلال لظروف غير متاحة للخصم واغتياله غيلة! كما أن القاسم المشترك الآخر في ذات السياق، إن المجني عليهم تم تصفيتهم فقط بدافع التشفي والانتقام وهذين العنصرين: عنصر افتقار الفروسية والمواجهة و عنصر الانتقام والتشفي ليس من أدبيات الممارسة السياسية السودانية والثقافة المتجذرة في عمق المجتمع السوداني، بما يشير إلى أن اليأس والعجز والدرجة البالغة الضحالة التي وصلت إليها الروح المعنوية للمتمردين هي التي باتت تدفعهم نحو هذه الحوادث المؤسفة. بالمقابل فإن المؤتمر الوطني - حتى الآن - لم يستهدف قادة الحركة الشعبية، القادة و الساسة المنتشرين في كافة أرجاء السودان ولو انه أراد الرد بالمثل فإن الأمر بالطبع في غاية السهولة، بل على العكس تماماً، فإن العديد من قادة الحركة الشعبية سواء في النيل الأزرق أو جنوب كردفان لم تتعرض لهم الحكومة السودانية ولم تأخذهم بجريرة رفاقهم وتركتهم يمارسون أنشطتهم حتى الأنشطة المعارضة طالما كانت داخل الإطار السياسي السلمي وذلك لأن من شأن استشراء داء التصفيات على هذا النحو يؤدي إلى شيوع ثقافة العنف بما ينسف الممارسة السياسية الراشدة في ظل مرحلة تحول ديمقراطي متنامية لا بد من الحرص والمحافظة عليها بشتى السبل والوسائل ومهما كان الثمن. إن خطورة ابتداع الحركة الشعبية لمسلسل التصفيات هذا الغريب عن الثقافة السودانية إنما تكمن في إضفاء مزيد من العزلة على الحركة وزيادة المباعدة بينها وبين مكونات المجتمع السوداني كافة حاكمة أو معارضة، كما أن الحركة الشعبية -بهذا الأسلوب غير السوداني- وبعيداً عن الظلال السياسية إنما تستعدي على نفسها القبائل التي ينحدر منها القتلى المجني عليهم ويؤلب عليهم غالب المجتمع السوداني وهذا كفيل بنسف أي مستقبل للحركة الشعبية وهي أصلا بلا مستقبل. وأخيرا فإن من المدهش حقاً أن يكون مسرح هذه الأحداث مناطق جنوب كردفان المشهورة بالفروسية وثقافة المصارعة التي تفترض تكافؤ الفرص في المواجهة لا الغدر واستغلال الظروف، فطالما أن الحركة الشعبية - من الأساس - لم تكن تأنس في نفسها أدنى قدر من الفروسية والرجولة على تحمل كلفة الحرب لماذا إذن أشعلت الحرب وأهاجت الأوضاع وأججت الصراع بكل هذا القدر؟