بإقراره الصريح فى فيلم وثائقي عرضته القناة العاشرة الإسرائيلية عن دعم اسرائيل منذ الستينات من القرن المنصرم لحركة الأنانيا الانفصالية التى كان يقودها فى ذلك الحين وضع اللواء جوزيف لاقو القيادي الجنوبي الذى شغل مناصباً سياسية فى السابق وتقدم به العمر حالياً اللمسات الأخيرة التى تريدها اسرائيل لتأكيد دعمها ورعايتها – من أكثر من أربعة عقود – لقيام دولة جنوب السودان . وبالطبع كلنا يذكر ان لاقو وعقب انفصال دولة جنوب السودان مؤخراً حرص حرصاً بالغاً على تقديم محاضرة فى عاصمة الدولة الوليدة جوبا كان جل تركيزه فيها على تقديم الشكر وخالص الامتنان للدولة العبرية على دعمها هذا الذى تكلل بقيام الدولة . لاقو قال انه وعقب حرب الأيام الستة التى عرفت بنكسة يونيو 1969 خط خطاباً لرئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها (ليفي اشكول) مهنئاً بالنصر الإسرائيلي مذكراً له بأنهما معاً – اسرائيل والجنوب – يحاربان عدواً واحداً وهو العرب ! ولتأكيد الرباط القوي لعلاقة لاقوا بإسرائيل قال لاقو أنه تلقي دعوة من قولدا مائير التى خلفت أشكول فى رئاسة الحكومة الإسرائيلية للحضور الى اسرائيل وسافر بالفعل - عبر جواز مزور عن طريق روما - والتقي بمائير ومن يومها بدأت شحنات الأسلحة الإسرائيلية تتري وتتدفق على الجنوب . ثم جاءت اسرائيل مؤخراً لتنشئ معسكرات تدريب فى إثيوبيا لتدريب المتمردين الجنوبيين. هذه الحقائق ربما لم تكن غريبة على التاريخ الخفي للقادة الجنوبيين بإسرائيل، كما ان طبيعة العلاقات ربما لم تكن خفية على الكثيرين على اعتبار ان اسرائيل تتبع إستراتيجية التغلغل فى أحشاء كل ما هو عربي أو إسلامي بالمنطقة لإحكام سيطرتها عليها وتوسيع حدود أمنها للمحافظة على دولتها المغتصبة. الامر قد يبدو فى مجمله عادياً والجنوبيين أنفسهم لا يبدو منشغلين بهذه القضية لكونهم بأنهم ليسوا عرباً ولا مسلمين ولا يجدون على ذلك غضاضة ولا حرجاً فى إقامة أى علاقة مع اسرائيل . غير ان مخاطر هذه العلاقة – وإن خفيت علي القادة الجنوبيين فى الوقت الراهن وعميت عليهم، أو أنهم يستخدمونها كورقة فى مواجهة السودان الذى ناصبوه العداء طويلا، أو أنهم يريدون خلق معادلة باعتقادهم انها ترجح الكفة لصالحهم، مخاطر هذه العلاقة دون شك أكبر مما قد يتصوره القادة الجنوبيين. فمن جانب أول فان إقرار قادة جنوبيين فى فيلم موثق (بفضل اسرائيل) على قيام دولتهم هو أمر باهظ الثمن وفاتورة عالية التكلفة ربما لن تكفي كل سنوات عمر الدولة الجنوبية وثرواتها ومواردها الظاهر وباطنة لسدادها، وهو أمر الأيام وحدها هى الكفيلة بإثباته للقادة الجنوبيين بعد فوات الأوان تماماً. من جانب ثان، فان المحيط العربي والشرق الأوسطي القريبة منه جمهورية جنوب السودان حتى وإن كان لبعضه علاقات مع اسرائيل لن يغامر بحال من الأحوال لإدخال مال او استثمار فى دولة تسيطر عليها ولو من على البعد دولة عدوة لا عهود لها ولا التزام بأخلاق السياسة فى حدها الأدنى وهو ما يجعل دولة الجنوب تخسر خسراناً سياسياً واقتصادياً هائلاً فى محيط المنطقة لن يعوضه لها قادة الدولة العبرية بحال من الأحوال. ان الامر هنا لا يقف عند حدود (مؤامرة قديمة) كان الجسر لها هو إدعاء الظلم والتهميش ولكن يتجاوز ذلك الى فقدان إخوتنا فى جنوب السودان لمصداقيتهم السياسية، فقد كانوا يسعون منذ زمن بعيد لقيام دولة برعاية اسرائيل ولكنهم ظلوا يستنزفون أخوتهم فى الشمال ويخادعونهم بدعاوي شتي كانت تستدعي التعاطف !