ظل التردد وتقديم رجل وتأخير أخري هو السمة الغالبة للقوي الحزبية السودانية حيال دعوة الحزب الوطني الحاكم لها للمشاركة في حكومة قاعدة عريضة .التردد علي سوئه علي أية حال كان مفهوما لجهة ان هذه القوي السياسية تعاني ضعفا في كل شيء وسؤاً في التقدير وخوفا من المجهول . أخيرا حسم بعض هذه القوي تردده ،ولسنا هنا لممارسة (جلد سياسي )نلهب به ظهر هو نفسه ملتهب بسياط القوي الحزبية نفسها وجراحها غير قابلة في الغد المنظور للبرء والشفاء .والمسيرة أمامها طويلة لتصبح أحزاب بالمعني الحقيقي الصحيح لهذه الكلمة .غير أننا بالطبع لن نبالغ ولا نغالي ان قلنا ان هذا التردد الطويل في حد ذاته كان مؤشرا علي ان هذه الأحزاب ليست علي حبل سري مباشر .وهذه في الواقع هي أم أزمات السودان في المستقبل القريب البعيد نسبيا .وعلي العكس مما قد يعتقد البعض فان الوطني وان بدا ماهرا في ملاعبة هذه الأحزاب والتفوق عليها رغم عراقتها وسبق وجودها عليه إلا ان انه لا يريد ان تخلو الساحة من أحزاب سودانية وطنية جادة وقوية تحلو معها المنافسة ويحمي وطيس اللعب بها .الأحزاب الموجودة الآن في كنبة المعارضة علي الجانب الأخر فشلت في زحزحة الوطني ولو بقدر قليل تستطيع التباهي به ولهذا رأيناها تتوق الي مشاركته في الحكم –علي أي مستوي وبأي نسبة –ولكنها لدواعي تتصل (بالكرامة والكبرياء السياسي)تردد باستمرار أنها لن تشارك ! والمعضلة بشان هذا الموقف ان ما تبقي من مصداقية ومبدئية لدي هذه الأحزاب قد نفذ تماما فهي التي أطلقت المقولة الشهيرة قبل نحو من عقد ونصف (سلّم تسلم )،أيام التجمع الوطني وأيام التقاء (الشامي مع المغربي )كما تقول الأمثال العربية ،ويومها انتظر السودانيون بشغف (عملية التسليم والتسلم ) التي لم تأت .وهي التي أطلقت مقولة اكتساح الانتخابات (الحرة النزيهة المراقبة دوليا )وحين حمي الوطيس ،خرجت من الملعب قبل صافرة البداية بحجة عدم النزاهة عل الرغم من وجود عشرات الجهات الرقابة الدولية والإقليمية والمحلية .وهي التي توعدت بإخراج الشارع وإقامة (ربيع سوداني )ولكن مضت أيام الربيع السوداني (النادر جدا )وأعقبتها أيام الصيف ثم الخريف ولا شيء قد لاح في الأفق البعيد .ماذا تبقي إذن لم يتبق سوي تجربة (التسليم )بان تسلم هذه القوي نفسها الي الوطني لتحيا معه في غرفة سياسية واحدة تتدبر أمرها معه .المستخلص من كل ذلك ليس التقليل من شأن هذه القوي فما أوردناه هو تاريخها الموثق ومواقفها المعروفة ،ولكن المستخلص هو ان هذه القوي السياسية لم تعد تصلح للمنافسة ،وأفضل ما هو متاح أمامها ان تتعلم من خلال وجودها داخل كابينة القيادة من خلال المشاركة والاهم من كل ذلك عليها ان تتعلم ان تقول لا وتعني لا وتقول نعم وهي تعني نعم حقا فالسياسة رغما عن كل شيء هي المبدئية والقول الفصل في القضايا الوطنية التي لا تحتمل التردد!!