السانحة التاريخية الراهنة – فى سودان ما بعد انفصال الجنوب – هى خير سانحة سياسية لقوي المعارضة السودانية إن كانت بالفعل جادة فى عمل سياسي حقيقي يفيد الوطن ولعلنا لا نغالي ان قلنا ان من أكثر أخطاء قوي المعارضة السودانية وأفدحها على الإطلاق فى المرحلة السابقة – على الأقل فترة الانفصال المنصرمة – أنها اقتربت من الحركة اقتراباً شديداً ولكنها لم تؤثر عليها إيجاباً بحيث يقود ذلك الى الاقتراب من تبني الحركة للوحدة؛ وبالمقابل ابتعدت هذه القوى بذات الحدة والشدة عن الوطني ابتعاداً لم يكن له من مبرر، وفى الوقت نفسه خدم الحركة مشروعها الانفصالي لأن الحركة استغلت ابتعاد المعارضة عن الوطني لتقول للمعارضة ان من يدفعها بشدة للانفصال هو الوطني - بعبارة أكثر دقة وضوح ، فان الحركة الشعبية استخدمت قوي المعارضة السودانية رغم عراقتها فى التبرير لمشروعها الانفصالي وتركيبه قطعة قطعه بحيث بدت قوي المعارضة عاملاً مساعداً قوياً لها يداري عنها الوطني . الآن لا وقت للتباكي على ما جري ففي النهاية فقد أصبح الانفصال واقعاً، ولكن الظروف الراهنة وفرت للمعارضة السودانية سانحة نادرة لكي تعيد قراءة الأوضاع وتسلك الطريق الصحيح ، ذلك ان القاعدة السياسية الذهبية المستفادة من كل ما جري ان قوى المعارضة ومهما بالغت فى تقدير قوتها وحجمها وإمكانياتها فهي عاجزة عن إزاحة الوطني سلماً أو حرباً . ولهذا فان أفضل السبل لإيجاد موطء قدم لها هو بالاقتراب من الوطني والإسهام فى البناء الوطني بقلب خالص . قد يدعي البعض ان الوطني لا يقيم وزناً لها أو أنه لا يفي بتعهداته أو أنه عازم على البقاء فى السلطة ، ولكن بالمقابل إذا أمعنت قوي المعارضة النظر الى الجانب الآخر فستري أنها لا تملك جماهير وأن المتغيرات السياسية فعلت فعلها إذ أننا نتحدث عن ما يجاوز العقدين من الزمان تغيرت فيها تركيبة البلاد السياسية من أقصاها الى أقصاها ومضي جيل ونهض جيل جديد ، كما وان العديد من هذه القوى – و الجميع يري المشهد – فقدت حتى لحمتها الداخلية فيما بين قياداتها فى الصف الأول وأصبحت تضربها الخلافات والمنازعات . فى ظل وضع كهذا – حتى ولو تبرعت الجماهير – و حملت هذه القوى الى السلطة فهي سوف تعجز حتماً فى إدارة البلاد كما عجزت من قبل أكثر من مرتين وفى هذه الحالة، فان مخاطر الفشل وما سيترتب عليه سيكون بمثابة النعش الذى تحمل عليه الديمقراطية و تُواري الثري . ان الوطني - مهما كانت المآخذ عليه - هو على أية حال مكون وطني قائم ومؤثر ، ولو امتلكت قوي المعارضة المهارة اللازمة فباستطاعتها العمل معه، والسير بجانبه وصولاً الى مصلحة البلاد العليا. ان الأفكار التى تنبني الآن علي ثورة شعبية لاقتلاع النظام وعن إسقاط الوطني دعونا نتفق و نقرّ صراحة أنها ليست واقعية وحتى ولو بدت واقعية فى نظر البعض فهي غير سديدة وغير مضمونة النتائج وعواقبها وخيمة ما فى ذلك أدني شك .