تحليل سياسي لا يختلف إثنان على ان أول عدو خطير وحقيقي فعل الأفاعيل فى إقليم دارفور وأشعل كل تلك النيران هو السلاح. حيث كان من سوء حظ هذا الاقليم السوداني المتعدد الأعراق والمتجانس المشارب والسحنات ان النظام المجاور له منذ أواخر الستينيات فى ليبيا القذافي كان نظاماً ليس له من هم ولا هدف سوي نشر السلاح، وتأجيج الصراعات وإثارة الفتن. وكلنا يذكر ما جري فى سبعينات المقرن المنصرم حين اندلع النزاع بين نظام القذافي وتشاد حول مثلث أوزو الغني بالنفط وكيف شكلت تلك الحقبة الصعبة أولي ملامح الفوضى فى دارفور بانتشار السلاح وعمليات النهب والترويع. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذى يصعب إنكاره والذي بذلته حكومة الإنقاذ السودانية فى تسعينات القرن المنصرم لجمع السلاح وتجفيف منابعه فى الاقليم والذي يمكن القول – للإنصاف – أنه كان له عظيم الإسهام فى تقليل حدة النزاع والاحترابات التي جرت بعد ذلك، إلا ان السلاح عاد وانتشر من جديد بحيث أصبح فى متناول الجميع. الآن تنتظم ولايات دارفور حملة فريدة من نوعها لجمع السلاح ونزعه تماماً من الأيدي . الحملة استهلتها ولاية جنوب دارفور والتي قال واليها الدكتور عبد الحميد موسي كاشا انه عازم على جمع السلاح من كافة أرجاء الولاية دون استثناء أحد، و ان الامر لو دعا لتفتيش منازل المسئولين وقادة الإدارة الأهلية، بل وحتى اعتقالهم فهو لن يتورع عن ذلك. ذات الخطة كشف عنها رئيس السلطة الإقليمية لدارفور الدكتور التجاني السيسي فى مستهل زيارته للإقليم، فقد كان أهم ما كشف عنه الرجل – بصراحة بالغة – عن برنامج السلطة للفترة الراهنة والمقبلة هو إبعاد السلاح تماماً من الحياة العامة وإخراجه من الممارسة اليومية فى الاقليم . و يجيء هذا التطور الأمني البالغ الأهمية فى إقليم دارفور مدعوماً ومسنوداً بمتغيرات هامة ومؤثرة، وهى قبر نظام القذافي، الممول الرئيسي وربما الأوحد لعملية نشر السلاح فى دارفور. وتؤكد مصادر مسئولة فى الحكومة السودانية فى الخرطوم أنها قد أكملت رقابتها وبسطت سيطرتها على الحدود السودانية الليبية جيداً منذ اندلاع الثورة فى ليبيا منعاً لأي تسرب للسلاح باتجاه السودان بصفة عامة ودارفور بصفة خاصة وعلى افتراض ان هناك سلاح قد دخل، فان من السهل – وفق حملة جمع السلاح الجارية الآن – كشفه ومعرفته ومعرفة مصدره. ولا شك ان هذا المشهد الجديد فى دارفور والذي علمت (سودان سفاري) أنه إستراتيجية أمنية مدروسة ومتفق عليها مسبقاً بين طرفي اتفاق وثيقة الدوحة، يشكل رأس الرمح فى إعادة الأمن والاستقرار فى الاقليم الذى ذاع صيته لحوالي عقد من الزمان، وتسبب فى إرباك مواقف البلاد، وتحميلها فوق طاقتها، خاصة ان هذا العمل الأمني الكبير سبقته إشارات ايجابية نادرة من بعض القوى الدولية والمنظمات العاملة فى دارفور بتحسن الأوضاع الأمنية والإنسانية، كما ان تقلص عدد المنظمات العاملة فى الاقليم من حوالي (208) منظمة الى ما يقل عن (60) منظمة فيه دلالة على انعدام الحاجة لهذه المنظمات وإدراكها هى نفسها ان الأمور ما عادت كما كانت فى السابق !