كيف سقطت طرابلس؟ الإجابة بالتأكيد ليست بفعل الثوار وحلف الناتو وحدهما ..والإجابة هذه المرة لا تدخل في طائلة التحليلات والتكهنات، إنما بإعلان صريح وواضح جاء من قبل أحد الرؤساء.. ما هو معروف أن هناك دعما قويا قدِّم من قبل دول معينة وكان هناك تنسيق مباشر وشبه دائم فيما بينهم، الأدوار وزعت عليهم، دول خليجية، وأخرى أفريقية جارة، حلف الناتو، دول عظمى وجهات أخرى دولية.. معلومات مؤكدة أشارت إلى أن المجلس الانتقالي الليبي طلب دعما محدداً من الحكومة السودانية قبل سقوط الرئيس معمر القذافي وهروبه من طرابلس بنحو أسبوعين، والحكومة بدورها وفرت ما هو مطلوب منها، وهو الأمر الذي بدأ رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بالكشف عنه أمس. كان أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، جالسا على المنصة على شرف الاحتفال بافتتاح الطريق البري (كسلا اللفة) بولاية كسلا وجلس بالقرب منه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.. ويبدو أن اختيار الزمان والمكان كان مناسبا بالنسبة للرئيس البشير، فقطر في مقدمة الدول التي ربطتها علاقة متوترة خفية مع القذافي ونظامه الذي كان يحاول عرقلة أي نجاح سياسي لدولة قطر في منطقة الشرق الأوسط.. الرئيس البشير أعلن لأول مرة وأمام الملأ أن السودان قدم دعما لثوار ليبيا ولقوات المجلس الانتقالي الليبي في قتالهم ضد نظام القذافي المندحر..قال الرئيس البشير خلال اللقاء الجماهيري الحاشد بكسلا أن القوات التي دخلت طرابلس كان تسليحها سوداني مئة بالمائة، وأن الدعم الذي قدمه السودان للثوار سواء أكان دعماً إنسانيا أو عسكرياً فقد وصل إلى الثوار في ليبيا سواء في مصراته أو الجبل الغربي أو الزاوية.. الشيخ حمد أمير دولة قطر الذي قدمت دولته دعماً للثوار لم يتناول هذا الموضوع واكتفى في فقرات متفرقة أن بالإشارة إلى مساعدات إنسانية تقدمها قطر للثوار الليبيين، وحينما حانت الفرصة، تحدث خلال الاحتفال في كسلا عما جاء فقط من أجله، قائلاً: إن الطريق الذي تم افتتاحه يمثل صفحة جديدة في سجل حافل من العلاقات بين البلدين، وأنهم لن يألوا جهدا في تقديم ما يستطيعون من أجل ترسيخ التعاون والتفاهم بين السودان وقطر؛ معتبرا أن ما قدمته قطر من مساعدات لإنشاء الطريق هو دور تكميلي لإرادة الشعبين.. واكتفى بهذا القدر دون أن يشير إلى أي شيء يخص ليبيا.. ويبدو أن الرئيس البشير حين تناول الموضوع الليبي كان يشير إلى أن هجوم حركة العدل والمساواة على الخرطوم في مايو عام 2008 تم بسلاح وتمويل ليبي، حيث قال الرئيس في إشارة واضحة إلى ذلك "بفضل الله سبحانه وتعالى تمكنا من أن نرد لهم الزيارة، وردينا الصاع صاعين".. والسياسة التي تتبعها الدول، أنها تكشف الحقائق والمعلومات وتوجه الاتهامات بعد أن يسقط النظام، فليس بعيدا عن الأذهان ما كشفه الرئيس البشير بعد سقوط نظام حسني مبارك، فقد أكد الآن النظام المصري البائد كان يسعى إلى إفشال مفاوضات الدوحة وأي جلسات تفاوض أخرى حتى تفشل جميع المحاولات لحل قضية دارفور.. وهي إحدى السياسات التي باتت متبعة ليس في السودان فحسب إنما في معظم الدول (بكشف الحقائق بعد أن تزول العوائق). السودان ربطته علاقات متوترة مع عدد من الدول المجاورة، تشاد، مصر، ليبيا، كان لكل منهم دور سالب وخفي في قضية دارفور، وبالتأكيد السودان كان يشكل هاجساً بالنسبة لهم، إلا أن تحسن العلاقة مع انجمينا تدريجيا حتى وصلت إلى مراحل ممتازة بعد أن طردت رئيس حركة العدل والمساواة د.خليل إبراهيم من أراضيها، ثم كان أن سقط نظام الرئيس المصري حسني مبارك .. وبعض المراقبين يرى أن علاقات البلدين أكثر علاقة كان ظاهرها جميلا وإيجابيا وباطنها سلبيا ويحمل دسائس وعدم ثقة.. أما الدولة الأخيرة فهي لعبت دوراً محوريا في زعزعة الاستقرار في إقليم دارفور، وكان السودان قد لعب دورا محوريا كذلك في سقوط نظامها وعاصمتها. ويرى مراقبون أن سقوط نظام القذافي لا يعني أن (علاقة ليبيا ستكون ممتازة مع السودان) بنسبة 100% فهناك معلومات أشارت إلى أن أفراد ليبيين كانوا ينتمون إلى مجموعات إسلامية وهم الآن ينشطون في المجلس الانتقالي الليبي، وأن العلاقة بينهم وبين الحكومة السودانية ليست على ما يرام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو الأمر الذي قد يخلق توترا أو بعض المشاكل بين البلدين، ربما في المستقبل .. ، ويعتبر مراقبون أن الدعم السوداني للثورة الليبية من خلال السلاح "مبالغ فيه"، لأن حلف الناتو ودول أخرى كبريطانيا كان دعمهم العسكري أقوى وأوضح، فضلا عن دول أخرى كالسعودية وقطر والإمارات، إلا أن ما أشار إليه الرئيس البشير "بالدعم السوداني للثوار الليبيين" يظل حقيقة ماثلة، إن تمت الإشارة فقط إلى الدعم العسكري الليبي الذي أجج إقليم دارفور لفترة طويلة من الوقت. نقلاً عن صحيفة الأخبار 29/10/2011م