تحليل سياسي رئيسي حظي خبر مولد ما يسمي بالجبهة الثورية التى تضم أربعة فصائل مسلحة، ثلاثة منها دارفورية، وواحدة من (ما تبقي) من الحركة الشعبية باهتمام ملحوظ من قبل العديد من الوسائط الإعلامية السودانية وغير السودانية والعديد من المراقبين؛ حيث تراوحت الآراء والتحليلات ما بين مقللين لأثر الوليد الجديد، وما بين مذكرين من مخاطره وما يمكن ان يفعله خاصة لو أنه اتخذ منطق اليائس القانع. الامر بلغ ذروته بإعراب أمين عام الأممالمتحدة (شخصياً) عن قلقه إزاء هذا التطور وإدانته لتكوين جسم مسلح هدفه القيام بالمزيد من أعمال العنف وإراقة الدماء. هذا الاهتمام والصيت المحلي والدولي حتى بلغ المنظمة الدولية، وبصرف النظر عن مضمون الآراء والتحليلات يمكن القول انه كان فى حد ذاته هدفاً ضمن أهدف تكوين الجبهة نفسها إن لم يكن كل الهدف منها؛ إذ لا شيء يضفي سعادة بالغة على قادة القوى المسلحة قدر استماعهم من خلال أجهزة الإعلام الى الفرقعات تتوالي هنا وهناك وتستضيف القنوات الفضائية محللاً من هنا ومراقباً من هناك ليكون المناخ العام السائد هو النقاش الساخن والمخاوف والهواجس من الجسم المسلح الجديد. لسنا بصدد الحديث المكرور بهذه المثابة هنا، ولكن حدث ذلك كثيراً فى تاريخ السودان الحديث ولم يكتب النجاح حتى الآن لأي تحالف مسلح يسعي لتغيير السلطة الحاكمة فى الخرطوم عبر مجهود عسكري مسلح و التاريخ السياسي السوداني الحديث منه والقديم حافل بالثوابت والقواعد، والأمثلة لا تقع على حصر . أقصي ما يهدف إليه المتحالفون بحسب استقصائنا - بجانب هذا الجدل الإعلامي النظري - هو خلق شكل من أشكال الضغط السياسي على السلطة الحاكمة – وهو للأسف الشديد – أمر جرت تجربته غيرما مرّة ولم يأت بنتيجة فالسلطة الحاكمة - اتفقنا أو اختلفنا معها - هى أكثر الذين يملكون ذهناً وأعيناً وآذاناً صاغية، ولذلك فحين تقلل من جهد او تحرك فهي دون أدني شك تعرف أبعاد الامر كله، ولكنها فى ذات الوقت لا تقلل من التهديد – مهما كانت درجته – فى اتخاذها للتدابير والترتيبات المناسبة شأنها شأن اى سلطة مسئولة تفرض عليها واجباتها الاحتياط لأسوأ الاحتمالات. أما الحركات المتحالفة فهي تتصور ان السلطة الحاكمة مرهقة، ومثقلة بالمشاكل ومن ثم فان (إخافتها) بعمل مسلح على نحو جبهوي جماعي بدون تحديد الميدان والزمان والمكان يجعل الحكومة تسارع لتقديم تنازلات والبحث عن مخارج. المشكلة هنا ان اللعبة مكرورة ومجربة، وأورثت الحكومة السودانية خبرة جيدة. المشكلة الثانية ان التحالف المسلح نفسه يعوزه السند الجماهيري قليلاً كان او كثيراً لسبب فى غاية البساطة وهو انه يحمل ملمحاً عنصرياً صارخاً، والسودانيون فى مثل هذه الحالات لا يحتاجون الى من يقوم بتعبئتهم ضد توجه عنصري صارخ، نفّاذ الرائحة. المشكلة الثالثة ان التحالف نفسه ليست له رؤية سياسية واضحة مهما كانت سذاجتها او عدم واقعيتها او تجاوزها للخط السياسي السوداني العام، ولعل ابلغ دليل فى هذا الصدد ان التحالف وجد أمامه عقبة اقتناع القوى السياسية المعارضة للانضمام إليه أو علي الأقل عدم الوقوف فى محاذاته فى صف الحكومة، فحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي قال بوضوح انه لا مجال للعنف ولا مستقبل لمن يستخدم السلاح وسيلة للتعبير. السيد الصادق ايضاً له رأى يغضب منه أهل المعارضة بشأن إسقاط الحكومة، فهو يقول ان المطلوب هو التغيير وليس الإسقاط وسواء كان المهدي يدرك استحالة الإسقاط والثمن الباهظ جداً لهذا العمل، أو كان مدرك لدرجة الضعف والارتباط الخارجي لهذه القوى المسلحة، فهو على أية حال لا ينسجم فى موقفه و راؤه مع عمل كهذا. الشارع السوداني العريض بدا غير مبالي بأصداء الخبر فهو الأكثر ذكاءً وخبرة ويتذكر كل المسميات المسلحة السابقة، ويتذكر دوره المحوري فى الوقوف فى وجهها وقتاله دون شرفه الوطني وإرادته وحريته . الخلاصة إذن ان التحالف الجديد حصل على ما أراده وانتهي الأمر. فقد أصبح مادة للصحف ووسائل الإعلام، والاهتمام الخارجي وهو أمر كان فى حاجة إليه بعدما بدأت رمال دارفور تبتلع حركتيّ عبد الواحد ومناوي وبعدما أكلت منسأة الانشقاقات حركة خليل، وتخطف الجيش السوداني الحركة الشعبية فى جنوب كردفان والنيل الازرق وجعلها مجرد (أفراد) حاصلين على حق اللجوء لدي دول الجوار، فى انتظار قطار لم يمر بالمحطة التي اختاروا الانتظار عندها ليؤكدوا ان تحالفهم وإن لم يكن أكذوبة بالمعني الشامل فهو ليس بالحقيقة فى أدني معانيها!