لم ينبس أحد من قادة ما يُسمي بالجبهة الثورية ببنت شفّة حتى الآن حيال مصرع د. خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الدرافورية المتمردة على الرغم من أن خليل أحد زعماء هذه الجبهة. لقد لزم قادة الجبهة الثورية الصمت الكامل مع أنهم - قبل ساعات من المعركة التى دارت رحاها فى منطقة ود بندة على الحدود ما بين ولايتيّ شمال دارفور وشمال كردفان - كانوا يملئون الأرجاء ضجيجاً وتهديداً بأنهم سوف يجتاحون الخرطوم قريباً ويزيلون السلطة الحاكمة. وإذا وجدنا العذر لياسر عرمان كون أن الأنباء تضاربت وربما لا زالت متضاربة بشأن حقيقة مصيره، وأنه قد يكون الآن فى موقف دقيق فى منطقة ما أو متخفِّي فى حِرز من الأحراش، فإن من الصعب أن نجد عذراً لعقار والحلو وعبد الواحد ومني أركو مناوي، فهؤلاء (الأشاوس) هم رفاق لخليل وجمعت بينهم جبهتهم التى اعتبروا أنها الطوفان فيا تُري ما السبب فى إختيارهم الصمت والإبتعاد عن إبداء الرأي أو الترحُم على أحد رفقائهم ولو من باب الزمالة والأخوة فى السلاح؟ الراجح أن عنصر الصدمة والدهشة لعب دوراً فى هذا الخصوص، ولكن من جانب آخر فإن أزمة ما يسمي بالجبهة الثورية لا تكمن فقط فى أنها من الأساس هشّة ومتنافرة، بل متقاطعة المصالح ولكنها وفضلاً عن كل ذلك ولدت كسيحة لا تستطيع الحراك والسبب فى ذلك أنها لم تتجاوز كونها فصيلة عسكرية لا تستند على أرضية شعبية ولا جماهير لديها ولا رؤية سياسية تعبِّر عن مكوِّناتها . أقصي ما جمع مكونات هذه الجبهة الغِل والغُبن والضغائن السوداء التى لا تصلح أساساً للعمل السياسي قط، ولهذا كان الرئيس السوداني المشير البشير محقاً لدي تعليقه على الحادثة حين اختصرها فى سيطرة الحقد والغِّل على حركة خليل؛ فالغل لا يصنع مستقبلاً ولا ينشئ عملاً سياسياً نافعاً. ومن المؤكد أن كلٍ من عقار والحلو اللذان لم يكونا – من أعماقهما – يستشعران تعاطفاً سياسياً أو رغبة جادة فى التحالف مع خليل بخلفيته الأيدلوجية المعروفة، هما الآن فى موقف أكثر سوءاً، فقد كان رغماً عن كل ذلك يعولان على القوة المتوفرة لخليل وروح المغامرة التي عُرفت عنه ليحقق لهما ولو جزءاً مما عجِزا معاً عن تحقيقه وإنتهي بهما الأمر مجرد لاجئين فى دول الجوار. وليس سراً أن عقار والحلو بصفة خاصة كانا يتحرّقان شوقاً لملاقاة خليل فى دولة جنوب السودان ليس حباً فيه بالطبع، ولكن فى خيله وبغاله وقافلته المحشوة بالمال والذهب التى وعدهم بها. لقد منحهما الأمل فى المحاولة من جديد، بسلاح جديد ومال جديد ولهذا فقد عانيا ألماً وخيبة بلا حدود. أما فيما يخص عبد الواحد ومناوي فقد تراقص قدر من الفرح – كلٌ بأسبابه – بداخلِهما كون أنّ منافساً لدوداً إنزاح من طريقهما، وقد عانيا منه كثيراً، خاصة مناوي الذى تلقي ضربات عسكرية موجعة من خليل فى مهاجريّة بجنوب دارفور قبل نحوٍ من عامين لم ينقذه منها سوي الجيش السوداني. ولكن مع كل ذلك فإن شعورهما بالفرح الداخلي يمتزج معه شعور عارم بالخوف من أن تطالهما رصاصات الجيش السوداني بذات الطريقة، فالمفاجأة التى تمكنت من الرجلين الآن أنهما أدركا أن الجيش السوداني إستطالت يديه وبات يحوز على أسلحة حديثة، ولا تنقصه التقنيات العسكرية الحديثة التى يصعب الهرب والتخفّي منها. إن صمت رفقاء خليل فى ما يسمي بالجبهة الثورية مع تعدد الأسباب لكلٍ، إلا أنه فى خاتمة المطاف بداية الشعور بالعواقب الخطيرة التى باتت تنتظر كل منهم .