ثابو امبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى كثرت زياراته وجولاته المكوكية بين الخرطوم وجوبا وأديس أبابا وبعض العواصم الأخرى بحثاً لمعالجة المشاكل التي ما ظلت عالقة بين الخرطوم وجوبا دون أن يحقق أي نجاح يذكر في هذا المجال. المعروف أن اتفاقية نيفاشا «الكارثة» قد انتهت بخيرها وشرها بنهاية الفترة الإنتقالية في التاسع من يوليو 2011م بإعلان إنفصال جنوب السودان. تعتبر مرحلة إتفاقية السلام الشامل فترة مظلمة في تاريخ الحياة السياسية السودانية ينبغي تجاوزها وكنس آثارها الكارثية بسرعة فائقة. جولات ثابو امبيكي المتكررة للبلاد تعطي إنطباعاً بأن السودان ما زال حتى الآن أسيراً لنصوص هذه الإتفاقية التي رهنت قراره السياسي لقوى أجنبية. مظلة الإيقاد قادتنا لقبول مبادئ إعلان الإيقاد كأساس للتفاوض مع الحركة الشعبية وكانت المحصلة النهائية لهذا التفاوض هي بداية تقسيم السودان بإنفصال الجنوب. لا أدري إن كانت هذه الآلية الإفريقية التي يقودها أمبيكي تمثل مظلة جديدة للتفاوض أم أنها من مخلفات اتفاقية السلام الشامل التي تجاوزها الزمن.!! بعد أن أصبح الجنوب دولة مستقلة ينبغي أن يتم التفاوض مباشرة بين الخرطوم وجوبا بدون أي وسيط وإن تعذر ذلك ينبغي اللجوء للمؤسسات الدولية لأنها هي المعنية بمعالجة المشاكل بين الدول. أما الوساطة الإفريقية فإنها غير محايدة ويكفينا ما جنيناه منها. اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى التي يرأسها ثابو امبيكي تعتبر آلية غير مناسبة لقيادة حوار جاد وبناء ومثمر بين الخرطوم وجوبا لأنها لا تملك أي كروت للضغط على الطرفين وهي غير مؤهلة للقيام بهذا الدور لأنه لا حول ولا قوة ولا وزن لها. إن كانت المفاوضات بين الطرفين تحتاج فعلاً لوسيط فينبغي البحث عن وسيط آخر مقبول لدى الطرفين ويملك القدرة في التأثير على سير المفاوضات والتوفيق بين الأطراف المتفاوضة. هذه الآلية الإفريقية تعتبر غير مناسبة لقضايا مصيرية وهي تمثل ضياعاً للجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال حيث أن هذه الآلية لم تحقق أي نجاح يذكر لها منذ إنشائها وحتى هذه اللحظة سوى سعيها الدؤوب لتحديد ميقات جديد لكل جولة مفاوضات فاشلة وهذا يعني أن تستمر هذه الآلية في مهمتها إلى ما لا نهاية حتى إذا لم تحقق أي إنجاز لها. واضح من نشاط هذه الآلية الإفريقية أنها غير جادة وغير عملية وأنها تسعى لكسب الزمن لصالح دولة الجنوب الوليدة حتى تتمكن من معالجة كل مشاكلها الداخلية خاصة مشكلة تصدير بترولها الذي ما زال يتم تصديره حتى هذه اللحظة عبر الشمال بدون أي مقابل إنتظاراً لقرار يصدره الإتحاد الإفريقي في هذا الشأن ولا ندري متى يصدر الإتحاد الإفريقي قراره هذا؟!! هل هنالك غفلة أكثر من ذلك؟!! وهل يمكن لأي عاقل أن يدعم عدوه الإستراتيجي بهذا المستوى؟!! ما هي الفائدة التي جنيناها من كل هذه التنازلات التي لم تحلم بها حكومة الجنوب؟!!. لقد أغرت كل هذه التنازلات حكومة الجنوب الوليدة للإستمرار في غرورها وغطرستها وعنجهيتها لأنها حسبت أن كل ذلك ضعفاً وتودداً لكسب رضائها وإشباع رغباتها. التعظيم من شأن دولة الجنوب الوليدة سوف يقودها للمزيد من التحدي ولهذا ينبغي وضعها في حجمها الطبيعي حيث أن إسمها في الأسرة الدولية ما زال حتى هذه اللحظة مكتوباً بقلم «الرصاص» هذا بالإضافة إلى أنها تعتبر نموذجاً لدولة فاشلة غير قابلة للحياة بدون دعم خارجي وحماية أجنبية. المشاكل بين الدول عادة ما يتم علاجها ثنائياً عبر اللجان الوزارية المشتركة وإذا تعذر ذلك فإنها تحال إلى المؤسسات الدولية لأنها هي المعنية والمؤهلة للفصل في القضايا الدولية حيث أنها تهتم بالأمن والسلم الدوليين. آلية الحكماء التي يرأسها امبيكي تصلح لمعالجة الصراعات القبلية الأهلية وصراعات الرعي والصيد غير المشروع في مناطق الحدود المشتركة.!! الحكومة إن كانت متمسكة بهذه المظلة الواهنة للتفاوض مع حكومة الجنوب خوفاً من التدويل فإن قضايا السودان قد أصبحت مدولة منذ توقيع إتفاقية السلام الشامل ومنذ قبول الحكومة لقرار مجلس الأمن الدولي الذي تم بموجبه تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية هذا بالإضافة إلى أن مظلات التفاوض الإفريقية منذ مظلة الإيقاد تعتبر نوعاً من التدويل. العاقل من يستفيد من أخطائه ولا يقوم بتكرارها حيث أن مظلة الإيقاد الإفريقية جنينا منها السراب ولا يمكن أن نسير في ذات الدرب. الحكومة فرطت في معالجة القضايا العالقة لأنها لم تربطها باستفتاء الجنوب وإجراء الإنتخابات تلك هي الكروت التي كانت بيد الحكومة ولكنها لم تستخدمها والآن عليها أن تستفيد من كرت تصدير بترول الجنوب عبر الشمال لمعالجة تلك القضايا العالقة أما اللجوء إلى الآلية الإفريقية فإنه سيقودنا لذات النتيجة السابقة وسيعود بنا إلى المربع الأول. ختاماً ينبغي تعليق مفاوضات هذه الآلية الإفريقية لأنه لا جدوى منها واللجوء لأسلوب التفاوض عبر اللجان الوزارية المشتركة لمعالجة القضايا العالقة وإذا تعذر ذلك يمكن اللجوء إلى المؤسسات الدولية المختصة. وبالله التوفيق. نقلاً عن صحيفة الأهرام اليوم 28/11/2011م