أبدي برلمان دولة جنوب السودان رغبته فى طرح مبادرة يتم بمقتضاها إجراء محادثات ثنائية بين برلمانيّ البلدين – السودان وجنوب السودان – لحلحلة القضايا العالقة، وما وصفه رئيس وفد برلمان جنوب السودان الزائر للخرطوم حالياً رمضان حسن لاكو بالتعقيدات السياسية فى الحدود بين البلدين. الجانب السوداني ممثلاً فى النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه رحب من جانبه بأي حوار او محادثات من شأنها تقريب الشقة بين السودان ودولة جنوب السودان عبر الحزب والكيانات السياسية المختلفة. رئيس الوفد البرلماني الجنوبي الزائر مضي أكثر فى أطروحته وقال ان برلمان دولة الجوب سوف يشرع على الفور فى وضع خارطة طريق لتهيئة أفضل مناخ للحوار بين البلدين. وما من شك، إذا افترضنا ان البرلمان فى اي بلد ما هو إلاّ تعبير عن صميم الإرادة الشعبية ان هذه المبادرة جيدة ومطلوبة، خاصة وان الامر المثير للدهشة والتعجب فيما يخص علاقة الدولتين، ان دولة جنوب السودان فى أمسّ الحاجة الى الدولة الأم فى السودان، وأنها - للأسف الشديد - رغم حاجتها الماسة جداً هذه، هى التى بادرت بتعكير صفو علاقات البلدين ظناً من قادتها – سواء لقلة خبرتهم او سوء النية او الاثنين معاً – أنها أصبحت نداً للسودان وان بوسعها اللعب معه بأوراق تعتقد أنها فاعلة . فعلي سبيل المثال فان ما أسماها رئيس الوفد البرلماني الجنوبي "تعقيدات على حدود البلدين"، هى ببساطة شديدة للغاية تعقيدات بادرت بها دولة جنوب السودان بدعمها المفضوح والذي توصلت واشنطن نفسها رغم صلتها الوثيقة بجوبا الى قناعة تامة بهذا الدعم للحركات المتمردة المسلحة الناشطة ضد السودان. وكلنا يذكر المطالبة الصريحة لواشنطن بأن تكف جوبا عن تقديم هذا الدعم . كيف يمكن ان يتحقق استقرار وتظل الحدود آمنة ومفتوحة فى الوقت الذى تعبث فيه حكومة جنوب السودان – دون أدني قدر من المسئولية – بأمن جارتها الأم؟ وكيف لنا ان نتصور ان بالإمكان حصول دولة جنوب السودان على كل احتياجاتها من السودان وتوصلها الى حلول لقضاياها العالقة وهى تدعم – عن عمد وسبق إصرار – حَملَة السلاح وتوفر لهم الدعم اللوجستي ومنصات الانطلاق والمأوي؟ ربما كان الوفد البرلماني الجنوبي وبمناسبة مشاركته فى محفل إتحاد البرلمانات الإفريقية المنعقد فى الخرطوم يمارس عملاً دبلوماسياً، أو معاملة علاقات عامة فرضتها ظروف حضوره وربما كان الوفد ايضاً - يستشعر وطأة الازمة التى تسببت فيها حكومته وجعلت حدود البلدين شديدة التعقيد وانعكس الامر سلباً على مجمل الأوضاع فى دولة الجنوب، من نقص فى السلع والغذاء، وصعوبات فى الحركة؛ وسواء كان سبب طرح المبادرة هذا أو ذاك ففي الحالتين، فان برلمان دولة الجنوب – إذا تحلي بالقدر المطلوب من الفاعلية – يمكنه توجيه اللوم بدرجة أكبر لحكومته فى دولة الجنوب بشأن هذا التردي المريع فى علاقات البلدين، دون فائدة يجنيها أحد، أللهم إلاَ الأطراف الدولية صاحبة المصالح الخاصة التى أحكمت سيطرتها تماماً فيما يبدو على قادة حكومة الجنوب. من المؤكد ان ما لم يفصح عنه الوفد البرلماني الجنوبي ان الازمة أمسكت بخناق دولة جنوب السودان ولربما أرادت حكومة جنوب السودان ان تفتح كوة صغيرة فى الجدار السميك الذي أقامته بينها وبين دولة السودان عسي ولعل ان تنصلح الأمور، غير ان هذا الافتراض نفسه يبدو غير قادر على الصمود فى ظل تصعيد متواصل من الجانب الجنوبي كان آخره تأميم ومصادرة أسهم شركة البترول السودانية (سودا بت)، ودوران كل أطروحات المفاوضين الجنوبيين حول شراء حلحلة قضاياهم بالمال كما قال بذلك المفاوض باقان أموم غير ما مرّة !