يستعد المدعي العام الجنائي الدولي (لويس مورينو أوكامبو) لمغادرة منصبه العدلي الدولي المرموق الذى قضي فيه حوالي التسعة أعوام -رغم طولها- إلا أنها لم تسجل للرجل حتى الآن نجاحاً يذكر. ففي منتصف العام المقبل (يونيو 2012) سيجمع أوكامبو أوراقه و يرحل تاركاً وراءه مطرقة قضاء التاريخ لتحكم له أو عليه بميزان دقيق ليس هو بالطبع ذات الميزان الذى تعامل به أوكامبو طوال فترة عمله التى اتسمت وفق غالب المراقبين بخلط السياسة بالعدالة، وازدواجية المعايير والتركيز على أعراق بعينها لجلبها للعدالة دون آخرين. و تشير متابعات (سودان سفاري) فى لاهاي، ان النائبة الحالية لأوكامبو ،الغامبية الجنسية (فاتو بنيسودا) هى المرشحة الأوفر حظاً لخلافة أوكامبو بعدما حصلت مبدئياً على ثقة حوالي 119 دولة، وبعدما تقرر إجراء عملية الانتخاب فى الثاني عشر من ديسمبر الجاري بصورة رسمية، وفى غياب اى منافس لها حتى الآن . إزاء هذا التطور هل يمكننا الحصول على رابط ما، بين ما جري فى كينيا مؤخراً من إصدار أحدي محاكمها لمذكرة توقيف ضد الرئيس البشير بالاستناد الى مذكرة أوكامبو، وما بين اقتراب مبارحة اوكامبو لمنصبه، وهو تواق لفعل شيء يذكره به التاريخ كمدعي عام دولي يلاحق رئيس دولة فى السلطة ويضعه في قبضته؟ الواقع لم يتسن لنا حتى الآن - رغم بحث مضنٍ - قمنا به الوقوف على أدلة مادية ملموسة تثبت طبيعة الرابط ، ولكننا على قناعة – بحكم شواهد وقرائن – من وجود هذا الرابط ؛ إذ ان اوكامبو درج على ملاحقة الدول التي يزورها الرئيس البشير وترفض اعتقاله. فعل ذلك مع كينيا من قبل - العام الماضي 2010م - ثم مع تشاد ثم حالياً مع ملاوي . لقد كان اوكامبو يتميز غضباً ويكاد يحمل الأمور محمل شخصي حين يجري استقبال الرئيس البشير فى أى دولة يزورها تتجاهل تماماً مذكرة التوقيف, ويقول بعض مساعديه ان الرجل يشعر (بإهانة شخصية) كونه يري مذكرته فاقدة المحتوي وهى التى مهرها بتوقيعه و خاتمه الدولي المهيب. ويري بعض خبراء القانون الذين جمعتهم ظروف العمل مع أوكامبو قبل سنوات فى أورقة المحكمة ثم ابتعدوا عنه لاحقاً، أنه جعل قضية اعتقاله للرئيس البشير قضية عمره وأعطي القضية بعداً شخصياً واضحاً وهو ما عجل بفشله الماحق، ولهذا فإنهم كما قالوا وإن كانوا لا يملكون دليلاً على وجود أصابع له فى أروقة القضاء الكيني، إلا أنهم فى الوقت نفسه لا يستبعدون عبثه بطريقة أو بأخرى فى هذا الصدد، فالرجل على وشك الرحيل وما تبقي من مدة (ستة أشهر) لا تكفي ليتحقق حمله وهو الذى قضي 9 سنوات لم يحقق فيها شيئاً. ويشير بعض المهتمين بالشأن الكيني والعالمين بطبيعة النسيج السياسي داخل الحكومة الكينية ان التقاطعات والاختلافات فى الرؤى داخل منظومة الحكم هناك ربما أغرت اوكامبو لاختراقها بطريقة ما، فهو فى حاجة الى صدور قرار قضائي من القضاء الكيني مطابقاً لمذكرة الاعتقال الصادرة عن لاهاي، بصرف النظر عن مآلاتها فيما بعد، فالمهم الحصول على دولة افريقية لديها الرغبة فى تنفيذ قراره على الأقل لوقف عملية الامتناع الأفريقية المتصاعدة والتى بدأت بكينيا نفسها مروراً بتشاد ثم ملاوي وإثيوبيا وإرتريا ومصر و ليبيا. ولم يكن مجدياً اعتذار الأخيرة فى عهد القذافي فقد فشل أوكامبو حالياً فى الحصول على مطلوبه فى ليبيا بعدما أصرّ المجلس الوطني الليبي على محاكمة هؤلاء المطلوبين لديه فى ليبيا. أوكامبو إذن ليس بعيداً عن مذكرة كينيا ومن المؤكد ان الامر سوف يتضح بتفاصيله ولو بعد حين !