من شأن المذكرة التى أصدرتها احدي المحاكم الكينية والقاضية بوقف رئيس الجمهورية، عمر البشير، ليس فقط تعكير العلاقات بين دولتي السودان وكينيا، ولكن التأثير بصورة مباشرة على العلاقات بين دول القارة الإفريقية، وربما زعزعتها وشق الصف الأفريقي، الذى يعتبر السودان أحد أهم ركائز تماسكه، وهو ما ظل الخبراء والمحللون يحذرون منه. وليس أدل على ذلك من ردة فعل السودان الأولية تجاه الخطوة الكينية، حيث طلبت حكومة الخرطوم من السفير الكيني لدي الخرطوم مغادرة البلاد فى غضون 72ساعة، وبالمقابل استدعت السفير السوداني لدي نيروبي. وقالت وزارة الخارجية فى بيان أصدرته أمس (ان قرار المحكمة الكينية بشأن الرئيس البشير يعتبر ترجمة لمجهودات مجموعة ظلت تقوم بها مجموعة من الناشطين ، حاولوا من قبل إقناع الحكومة الكينية والضغط عليها لاستصدار قرار سياسي وعندما باء مسعاهم بالفشل لجئوا الي خيار الحكم القضائي. ورأى البيان ان هنالك علاقة وثيقة بين الخطوة وبين النجاحات التى حققتها زيارات رئيس الجمهورية الخارجية وأنها تأتي كمحاولة للحد من تلك النجاحات. وأضاف: من الوضاح ان خطوة المحكمة الكينية ذات الصلة بإخفاقات مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة، حيث فشل في إقناع الدول الأعضاء فى ميثاق روما بتنفيذ طلباته باعتقال الرئيس البشير حيث كانت زيارة ملاوي آخر نماذج ذلك الفشل، بجانب فشله فى إقناع القيادة الليبية بتسليم رموز نظام القذافي وحاول مدعي عام المحكمة الجنائية تبرير فشله بالقول انه ما دامت ستشكل حكومة فى ليبيا فليس لديه مانع من محاكمتهم داخل ليبيا! و أشار البيان الى ان المدعي العام اعترف بنفسه فى مؤتمر القانون الدولي مؤخراً بأن المحكمة تعمل علي أسس سياسية وأن إحالة ملف السودان بواسطة مجلس الأمن هو إجراء سياسي بالدرجة الأولي. وقال البيان: نعتقد ان الامر يتصل بتداعيات الخلاف الداخلي فى كينيا حول مستقبل التعامل مع المحكمة الجنائية بأكثر من اتصاله بالأوضاع فى السودان. حيثيات المذكرة : أصدرت المحكمة العليا فى بيان أمس الأول، الاثنين مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير، بناء على دعي أقامها الفرع الكيني للجنة (المشرعين الدوليين) لإرغام الدول الإفريقية التى وقعت على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية ، على توقيف الرئيس البشير. وقال القاضي نيكولاس أومبيجا فى الامر الذى أصدره (ان البشير يجب ان يعتقل إذا وطأت قدمه كينيا فى المستقبل) . وقالت تقارير عن الرئيس التنفيذي للجنة المشرعين الدوليين، جورج كيغورو قوله ان (قرار المحكمة يعني بأن كينيا ملزمة باعتقال البشير إذا جاء البلاد، وإذا كان هناك من إلتباس فى الموقف القانوني بهذا الشأن فقد تم توضيحه) . وبحسب اللجنة فقد قضت المحكم بأن القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية كميثاق روما الموقع عليه من قبل كينيا تبطل قرارات الاتحاد الإفريقي .ورفضت كينيا كغيرها من الدول الإفريقية الاخري، قرار المحكمة الجنائي بحق الرئيس البشير الصادر في مارس 2003 وظلت زيارات الرئيس البشير الخارجية المستمرة منذ صدور القرار تشكل محطات ومفاجآت لافتة على كافة الأصعدة، وامتدت من الجارة ارتريتا التى زارها بعد أيام على صدور قرار المحكمة وحتى ايران والصين البعيدة . و زار الرئيس البشير كينيا ، الموقعة على المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية ، فى اغسطس من العام الماضي، مشاركاً فى مناسبة إقرار دستوريها الجديد، وتعرضت كينيا لانتقادات شديدة و وضغوطات من المحكمة الجنائية الدولية و حكومات أجنبية لعدم قيامها باعتقال البشير عندما حضر احتفالاً بمناسبة إقرار دستوريها الجديد العام المضي . شذوذ عن الإجماع: جسدت زيارة الرئيس البشير الى كينيا العام الماضي تحدياً لافتاً وقوياً للمحكمة الجنائية، التى طلبت فى أكتوبر 2010 من السلطات الكينية ان تعتقل الرئيس البشير فى حالة توجهه الى كينيا للمشاركة فى قمة دول الهيئة الحكومية للتمنية (الإيقاد) وكذلك زار البشير تشاد وهى دولة كاملة العضوية فى المحكمة، كما سافر الى ملاوي و قد رفضت هذه الدول أوامر المحكمة الجنائية. أجمعت الدول الإفريقية على رفض قرار المحكمة الجنائية بحق الرئيس البشير ، حيث يري الاتحاد الإفريقي ان مذكرات التوقيف....بحق البشير تؤدي الي نتائج معاكسة وطلب من الدول الأعضاء عدم اعتقال الرئيس البشير لان –بحسب الاتحاد الإفريقي –الحكمة الجنائية الدولية لا تستهدف علي ما يبدو سوي الزعماء الأفارقة ويقول الاتحاد الإفريقي ان ما يدعوه أيضا للاعتراض علي اتهامات المحكمة الجنائية للبشير هو تأثيرها السلبي علي عملية السلام وفي دارفور بصفة خاصة . تأكيد علي العلاقات : ومع ان كينين تعرضت الي انتقادات كبيرة لعدم انصياعها لاوامر المحكمة الجنائية الدولية التي أحالتها الي مجلس الأمن الدولي لاتخاذ أية إجراءات يراها مناسبة لعدم اعتقالها البشير الا أنها أكدت علي استمرار علاقاتها مع السودان وتسلم رئيس الجمهورية في نوفمبر من العام الماضي رسالة خطية من نظيره الرئيس الكيني مواي كيباكي سلمها له وزير الخارجية الكيني جورج سابتوتي تتعلق بمسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها .كما وأكدت وزارة الخارجية في بيانها أمس الأول ان خطوة المحكمة الكينية بإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الجمهورية لن تؤثر علي علاقات السودان مع كينيا موضحة انه قرار قابل للاستئناف وشان داخلي تحكمه العلاقة بين الجهاز التنفيذي والسلطات القضائية في كينيا . تحت الرماد وميض : لكن محللين يرون بان الخطوة الكينية قد أثرت وبصورة فورية علي العلاقات بين الخرطوم ونيروبي وأكد المحلل السياسي الدكتور والسفير المتقاعد الرشيد ابو شامة ان المذكرة الكينية قد أوصلت العلاقات بين البلدين الي أقصي ما يمكن ان تصل اليه وهو قطعها مؤكدا ان ذلك تأثيرا سلبيا جدا بيد انه لفت الي ان الحكومة الكينية لم تتخذ أي قرار إزاء مذكرة المحكمة وقال ل(الرائد )"اذا ما جاء قرار الحكومة الكينية موافقا لمذكرة المحكمة فان ذلك يعني بالفعل ان كينيا قد شقت الصف الإفريقي وخالفت قرار الاتحاد الإفريقي القاضي بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية "لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور حسن علي الساعوري ذهب الي منحي مختلفا مرجحا ان يكون تحت رماد العلاقة بين السودان وكينيا وميض توتر .وقال ل"الرائد""في الغالب ان العلاقات بين كينيا والسودان تمر بمرحلة من التوتر الذي لا ندري أسبابه "فالقرار الكيني سيخرجها من الإجماع الإفريقي حول قضايا السودان وقال الساعوري "لا يمكن ان تشذ كينيا عن الإجماع الإفريقي وقد كانت من الدول الرئيسة في الإيقاد التي دعمت السلام السوداني واستضافت مفاوضاته "لكن الدكتور الساعوري لا يستبعد ان تكون كينيا تعرضت الي ضغوط بصفة خاصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤكدا أنها الدولة الأكثر اهتماما بموضوع المحكمة بعد ان خف الاهتمام الأوربي بالأمر مشيرا الي ان العلاقات بين السودان وفرنسا وبينه وبريطانيا شهدت تحسنا كبيرا بينما هناك تحسن تدريجي مع المانيا والمح الدكتور الساعوري الي وجود مؤاشرات بارتباط الخطوة لكينية بالموقف الذي اتخذته حكومة السودان بوقف تصدير نفط دولة جنوب السودان مستبعدا في الوقت ذاته ان يكون الإيعاز بالقرار الكيني آت من جنوب السودان لأنه دولة لها مشاكلها الخاصة وليس في مصلحتها هذا الأمر . لا منطق ولا مبرر: وقلل الساعوري من قرار المحكمة الكينية واعتبر ان قضية المحكمة الجنائية ماتت في المحافل الدولية والإقليمية وعند أهلها في إشارة الي فشل المدعي لويس اوكامبو ورأي ان كينيا تريد ان تحييها إعلاميا بإعادتها للإعلام من جديد وان ذلك لا يصب في مصلحتها بحسب الساعوري الذي قال"الرائد "أمس "لايوجد منطق ولا محجة ولا مبرر لما فعلته كينيا "ورأي الدكتور الرشيد أبو شامة ان قرار المحكمة هو محاولة للالتفاف علي القرار السياسي الذي أصدرته الحكومة الكينية في السابق بعدم التعرض للرئيس البشير عندما زار كينيا في أغسطس من العام الماضي واتهم ابو شامة جهات داخل كينيا وجهات دولية بالتنسيق مع مدعي المحكمة الجنائية بأنها تقف وراء المذكرة مشيرا الي ان كينيا لم تلق القبض علي الرئيس البشير عند زيارته لها بناء علي موقف سياسي وفقا لقرارات الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية . واعتبر هيئة الأحزاب والتنظيمات السياسية, المحامي عبود جابر قرار القضاء الكيني بشأن توقيف لرئيس البشير قرار عدائيا للسودان وشعبه مؤكدا أنه لا توجد ولاية لدولة كينيا علي المواطنين السودانيين حتي اذا تم تكليفها من قبل المحكمة الجنائية, ووصف جابر القرار بأنه سياسي ولا صله له بالقضاء والعدالة باعتبار مخالفته للقواعد القضائية المحلية والدولية وصادر من جهة تتصف بعدم الحياد الذي تتطلبه القواعد القضائية وإجراءاتها المتعلقة بالعدالة, وقال ل(سونا) انه ينبغي النظر في حياد الدولة المعنية وعلاقاتها بالدولة الثانية قبل مهمة التكليف بالقانون وفق ميثاق روما الأساسي بموجب المادة 88 مشيرا الي أن دعوة كينيا للرئيس البشير العام الماضي لحضور توقيع دستورها يجب فهمها في إطار مسلسل التأمر لنفي تهمه نزاهة القرار وأضاف أن توقيت القرار قصد منه إيقاف وعرقله جهود الحكومة في إكمال السلام بدارفور, وحذر جابر الدول الإفريقية وشعوبها لضرورة الانتباه الي ما يجري حولها من مؤامرات عالمية تقودها المحكمة الجنائية الدولية بهدف سلب إرادة الشعوب وخلق استعمار جديد. رفض العمال الكينيين: ويتزامن القرار الكيني مع استضافة الخرطوم مؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي, الرابع والثلاثون, الذي يخاطب فاتحة إعماله اليوم بقاعة الصداقة رئيس الجمهورية, عمر البشير بمشاركة أكثر من 27 برلمانا إفريقيا و11 منظمة إقليمية دولية بصفة مراقب. ووجد القرار استهجاناً من عدد من الفعاليات والقوي السياسية والفعاليات المدنية, وجدد اتحاد عمال كينيا تأكيده رفض القرارات التي تستهدف القادة الأفارقة دون غيرهم, مبيناً أن موقف عمال كينيا في ما يتعلق بقرار المحكمة الجنائية الدولية يدعم موقف الاتحاد الإفريقي الذي ظل علي الدول يرفض قرار المحكمة بحق رئيس الجمهورية المشير عمر البشير وقال الأمين العام للاتحاد فران أتولي في اتصال هاتفي مع رئيس الاتحاد القومي لنقابات عمال السودان البروفيسور ابراهيم غندور, ان أكثر من مليون عامل كيني يؤكدون وقوفهم مع الرئيس البشير والسودان ضد قرارات المحكمة الجنائية, وعبر البروفيسور غندور رئيس الاتحاد بحسب (سونا) عن شكره لموقف اتحاد عمال كينيا, مبينا أن هذا الموقف ليس بغريب علي القيادات النقابية الأفريقية عامة والكينية علي وجه الخصوص. وفي محاولة لتدارك انهيار العلاقات بين السودان وكينيا, سارعت حكومة نيروبي بإبداء رغبتها أمس في ابتعاث موفدا رئاسيا الي الخرطوم, لبحث تطورات الأوضاع وتلقت وزارة الخارجية أمس مذكرة من السفارة الكينية بالخرطوم تفيد فيها برغبة الرئيس الكيني مواي كيباكي في إرسال مبعوث رئاسي خاص للخرطوم الأسبوع المقبل لبحث تطورات الأوضاع بين البلدين علي خلفية مذكرة قرار المحكمة الكينية. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير العبيد مروح في تصريحات أمس ان المذكرة تطلب من السلطات المختصة في السودان إكمال ترتيبات الزيارة المرتقبة, وأضاف العبيد أن الخارجية أحالت المذكرة الي رئاسة الجمهورية لتلقي التوجيهات بشأنها. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 30/11/2011م