يمكن القول ان أبرز الذين فضلوا البقاء على الرصيف من القوى السودانية المعارضة ولم يوفقوا او يوافقوا فى المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة -بدون أسباب موضوعية مقبولة- هما حزب المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي السوداني. وربما كان يصح ان نصفهم وهم بهذا الوضع باليُتم السياسي بغض النظر عن أسبابهم الخاصة التى منعتهم من المشاركة فى حكومة القاعدة العريضة، ومكمن اليُتم هنا، هو أنهما ومهما تظاهرا بالتصالح السياسي والانسجام على طرفيّ نقيض وخطين متوازيين يصعب القول ان بإمكانهما لن يلتقيا على محجّة سياسية بيضاء أو حتى رمادية! ومؤدي ذلك ان كل واحد منهما يدرك أنه (وحده) روحاً وأن بديا إثنان. ولهذا كان القيادي بالشعبي إبراهيم السنوسي مغالطاً للواقع بدرجة يصعب تصورها حين طفق يدافع عن ما (يجمع الشعبي بالشيوعي)! لقد أسرف السنوسي فى الدفاع عن تحالفهما ولكن كل الحيل والعبارات التى استخدمها لم تفِ بالغرض حيث حصر المشتركات بين الاثنين فى أنهما (يصليا معاً)! ولكنه - أى السنوسي - لم يفطن لعباراته الخطيرة التى قال فيها إن الشيوعيين (ينادون بذات مبادئنا)! فالأمر هنا لا يخرج عن افتراضين، إما ن الحزب الشيوعي تخلي عن بادئه لصالح مبادئ الشعبي وهذه لم نسمع بها حتى الآن من أحد؛ أو ان الشعبي تخلي عن مبادئه هو لصالح مبادئ الشيوعي، وهذه ايضاً لم يسمع بها أحد حتى الآن! إن الفكرة هنا ليست فى انتقادنا لفكر الشيوعي، أو الفكر الشعبي، فنحن فى ساحة سياسية وفكرية رحبة البقاء فيها للأصلح ولكن ما من شك ان المشتركات بين الاثنين - الشيوعي والشعبي - غائبة تماماً، وحتى ولو افترضنا أنها – وعبرَ معجزة سياسية – تمت وأصبح الاثنان روحاً وجسداً واحداً، فان الشيوعي يدرك من هو د.الترابي وماذا كان دوره فى المرحلة السابقة، وما يمكن ان يفعله فى المرحلة المقبلة وهى أمور لا تفوت على حصافة الحزب العتيق الغارق فى تحليل المواقف والمغرم بالوثائق وقراءات الماضي والمستقبل. لقد تبرع السنوسي (بالدفاع المستميت) عن الحزب الشيوعي وأضفي عليه (مسحة سودانية متسامحة) كونه يملك نظرية إنسانية جيدة بعيداً عن الإلحاد وذمّ الدين، وهو تبرع يصح ان نطلق عليه (تبرع من لا يملك لمن لا يستحق)، فلا الحزب الشيوعي رغم إخفاقه الداوي فى الاتحاد السوفيتي الغابر تخلي عن أطروحاته وتكتيكاته ولو فعل لحل نفسه وغيَّر اسمه ورسمه؛ ولا قال أنه لا يؤمن بالنظرية بكاملها وإنما يأخذ منها ما يستحسنه ويدع ما غير ذلك. ولعلها من سخريات القدر ان ينبري قيادي فى حزب ذي توجه إسلامي معروف للدفاع عن خصمه التقليدي التاريخي بما يجاوز منطق اى ناطق رسمي باسم الحزب الشيوعي! كل ذلك لماذا، لأجل لان يشعر الشعبي بأنه (ليس وحده) على رصيف المعارضة الموحش بعدما لحقت كل القوى السياسية الحيّة بركاب الحكومة السودانية وصارت جزءاً منها . إن من المفهوم إزاء هذا اليتم السياسي ان يزعم السنوسي ان حزبه يعد العدة لإخراج الشارع وإسقاط الحكومة السودانية! وربما كان الرجل سيكون معقولاً بدرجة ما لو قال أنهم سيسعون الى إسقاط المؤتمر الوطني حينما كان يحكم وحده رغم أنهم حتى فى تلك – ولما يجاوز العشرة أعوام لم ينجحوا - ولكن السنوسي يسعي الآن لإسقاط حكومة قاعدة عريضة تضم أكثر من 15 حزباً! أليس فى ذلك عبث سياسي مثير حقاً للسخرية؟