لا يختلف اثنان قط على أنه لو كانت للقوى السودانية المعارضة أى مقدرة - و لو بنسبة 1% - لإسقاط الحكومة القائمة لما توانت و لا ترددت . ويبدو هذا جلياً فى مسلسل التهديدات المتواصل الذى تقدمه القوى المعارضة للحكومة و يثير سخرية الشارع السوداني. فقد أرسلت القوى المعارضة (آخر تهديداتها) الى الحزب الوطني قبل أيام ، وعقب اعتقال زعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن عبد الله الترابي ، حيث تباري المتحدثون – كعادتهم – فى تقديم المطالب ، وإرسال الوعيد و التهديد. و على الرغم من عدم تعويل أحد على هذه المواقف و التهديدات المحفوظة عن ظهر قلب لدي الجمهور السوداني و كافة المراقبين طوال ما يجاوز العقيدين من الزمان ، إلا انه لا بأس من أن نلقي نظرة على مطالب المعارضة، وإمكانية تنفيذ تهديداتها . و لعل من المهم ان نشير قبل هذه النظرة الى ان الحزب الوطني رفض هذه المطالب مراراً ، منذ أن أطلقها السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي قبل أسابيع ، وتكرر رفضه لها مراراً سواء من الرئيس البشير أو مساعده الدكتور نافع ، على الرغم من ان القوى المعارضة (قد سمعت) دون شك بهذا الرفض الصريح ألا أنها عادت مرة أخري لتقديم ذات المطالب مصحوبة بتهديد الإسقاط ! فالمنطق يقتضي هنا، أن الفعل الموجب للإسقاط قد حدث وهو الرفض ، فما السبب الذى يجعل المعارضة تعاود الطلب من جديد؟ أما لماذا أمعنا النظر فى المطالب فقد طالبت هذه القوى بتشكيل حكومة قومية و حصر مهامها فى إعداد دستور جديد و إعادة هيكلة الدولة و ترتيب الأوضاع لإقامة انتخابات حرة . هذه هى المطالب إجمالاً ، و لعل كافة المراقبين و المحللين السياسيين فى حيرة من أمرهم حيال تقديم مطالب كهذه لسلطة من منتخبة قائمة لم يحدث قانوناً ما يستوجب إبدالها ، إذ أن مؤدي استجابة الحزب الوطني لهذه المطالب هو أن (يحل سلطته و ينزوي فى ركن قصي) و من ثم لا يعرف (من) الذى سيشكل الحكومة القومية و على أى أساس ، وبأي نسبة ، والأهم من ذلك هو أحقية هذه القوى نفسها فى هذه السلطة القومية بعدما أنحسر وجودها فى الملعب السياسي و تقطعت أوصالها . إن اى سلطة قائمة فى اي بلد حتى ولو لم تكن منتخبة من المستحيل أن ترضخ لمطالب كهذه فى غياب اى أسباب موضوعية و فى غياب اى (وزن سياسي) للمطالبين أنفسهم . إن الأمر دون شك فيه تجاوز للواقعية السياسية و من المعروف بداهة ان الممارسة السياسية تقوم على أهم عنصر وهو الواقعية و القدرة على الإدارة مستندة على الوزن السياسي . هذه الصورة تعني ببساطة أن القوى السودانية المعارضة – للأسف الشديد – تعيش حالة ضعف بالغة و ليس لديها الوسيلة لهز المقاعد تحت الحزب الوطني ، و صلتها بالشارع السوداني منقطعة تماماً ، و لو لم تكن كذلك لما أهتمّت مطلقاً بتقديم مطالب متكررة فى ظل رفض صريح لها . إن الأمر بدون شك مؤسف و لكن هذا هو واقع حال هذه القوى ، التى يجاهر بعضها بهذه المطالب و يمضي من طريق آخر ليتشاور مع الحزب الوطني حول مشاركته فى حكومة ذات قاعدة عريضة !