قال مسئول بالمنظمة الدولية -مطلع الأسبوع الجاري- ان الغضب يتصاعد فى شرق السودان واصفاً إياه بأنه (بركان على وشك الإنفجار) – على حد وصفه – وأشار المسئول الذى أوردت وكالة رويترز أنه يعمل فى برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بولاية كسلا شرقيّ السودان الى من وصفهم بمقاتلين من قبائل البجا يتجمعون فى احد الجبال على الجانب الارتري فى الحدود السودانية الارترية، وأن مصادراً – غير رسمية – بحسب المسئول الأممي أفادته بقيامها بشن هجمات داخل الأراضي السودانية منذ ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من ان المسئول الاممي أورد تقريره هذا على موقع شبكة الأنباء الانسانية ،إلا ان مصادراً مسئولة فى مقر الأممالمتحدةبنيويورك قالت ان التقارير التى ترد على موقع شبكة الأنباء الانسانية لا تعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي للأمم المتحدة. ولعل هذه الإشارة الأخيرة ضرورية لوزن وتحليل ما أورده التقرير قبل الخوض فيه، فنحن هنا حيال موظف أممي – أياً كانت درجته الوظيفية – يستقي معلوماته من مصادر غير رسمية كما قال هو بنفسه فى تقريره، وبدلاً من ان يضع تقريره – إن كان صحيحاً وموضوعياً – أمام رؤسائه فى نيويورك يكتفي بنشره على موقع فى الشبكة العنكبوتية. هذا المسلك بصرف النظر عن صحة محتوي التقرير من عدمها يعتبر فى حد ذاته مسلكاً مثير للريبة، خاصة وان التجربة الطويلة للحكومة السودانية مع موظفي الأممالمتحدة ومسئولي المنظمات والوكالات المتخصصة الذين يعملون فى السودان أثبتت فى مرات عديدة أن الكثير من هؤلاء الموظفين يعملون لصالح جهات بعيداً عن نطاق تفويضهم، وبعض آخر له أجنداته، وكلنا يتذكر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فى السودان (يان برونك) الذى ما ترك للحكومة السودانية خياراً غير ان تقرر طرده قبل سنوات. العلة دائماً ان هؤلاء الموظفين الأمميين ينشطون فى غير ما يعنيهم، فالمسئول الذي كتب هذا التقرير معني بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ما صلته بمقاتلين او بالبركان القابل للإنفجار؟ ربما كان تقريره سيكون مقبولاً لو أنه تحدث عن تعطل البرنامج الإنمائي، أو انتقد البطء فى المشروعات التنموية فى الشرق بأرقام، وتواريخ وحقائق ووقائع. الأمر الثاني ان التقرير تحدث عن هجمات يقوم بها مقاتلين فى الشرق منذ ثلاثة أشهر! وهو ما لا يمكن لعاقل ان يصدقه، إذ أنه كان من الطبيعي والسهل ان يذيع أمر هذه الهجمات، ذلك ان كل ما يحدث الآن فى أى ركن من العالم ، سرعان ما تتناقله أجهزة الإعلام ووكالات الأنباء. الأمر الثالث ان التقرير - للأسف الشديد- لم يتعرّض لا من قريب ولا من بعيد الى حجم المشروعات التنموية التى أنجزت فى الشرق بولاياته الثلاث فى الفترة الممتدة من 2007 وحتى 2011م وهى الفترة التى دخلت فيها اتفاقية شرق السودان حيز التنفيذ، فكاتب التقرير يعمل بحسب ما تبيَّن فى ولاية كسلا، وولاية كسلا هى جزء من شرق السودان وليست الشرق كله، ولا يستقيم القياس على الجزء، بل ان حتى هذا الجزء شهد عملاً تنموياً سواء على نطاق خدمات التعليم (مدارس أساس و ثاني) او على نطاق الصحة (مستشفيات ومراكز صحية) أو مشروعات المياه، وليس هنالك أدني شك ان كاتب التقرير لديه الإلمام الكافي بهذه المشروعات طالما أنه يعمل فى برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ولو لم يكن لديه الإلمام الكافي ليكتب تقرير بهذا الصدد يؤكد فيه ان الشرق لم يشهد أى عمل تنموي خلال السنوات الخمس الماضية ولكان محتماً ان يجيب على السؤال الجوهري المشروع، إذا لم يكن بالشرق اى نشاط تنموي –لدرجة أنه بات قابلاً للإنفجار – ماذا تفعل أنت كمسئول فى البرنامج الإنمائي هناك؟ الامر الرابع ان كسلا، شهدت فى جامعاتها تظاهرات طلابية فى الفترة الماضية، وهذا أمر لا يمكن ربطه بانفجار او نشاط مسلح، إذ من الطبيعي ان تنشط الجامعات – فى ظل المناخ الديمقراطي المتاح حالياً فى السودان – فى أنشطة تظاهرية، ولا ندري فى الحقيقة طبيعة الصلة التى تربط برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بتظاهرات طلابية! خلاصة القول ان الأمر يبدو بمثابة (تحريض)، ودفع للأمور باتجاه التأزيم عبر هذه الدعاية الإعلامية، إذ أننا وبعيداً عن أجهزة الحكومة السودانية ودون ان نكون فى حاجة الى إرضائها أو إغضابها ننظر للأمور من زواياها الوطنية المحضة، حيث لا مجال للأمم المتحدة مهما كان مقدار خدماتها للتدخل فى الشأن السوداني بهذا القدر الصارخ من الأكاذيب .