لا يختلف إثنان في أن المرحلة المُقبلة التي تستشرفها البلاد في ظل الحكومة الجديدة، تتطلب وضع إستراتيجية جديدة يستند عليها الأداء الحكومي، لتحقيق المزيد من الضبط والتجويد وإحكام التنسيق بين الأجهزة المختلفة، بغية الخروج من دائرة التعتيم والشبهات التى تساق ضد الدولة ممثله في بعض أجهزتها، وهو ما أقدمت عليه بالفعل الحكومة الجديدة، التي التأمت أولى جلسات مجلس وزرائها الخميس المنصرم. فقد تواضعت الحكومة الجديدة في أول جلسات مجلس وزرائها، على إستراتيجية شاملة، تواثق عليها هؤلاء الوزراء بمختلف قواهم السياسية، مؤكدين أن الإخراج العام والفني والسياسي للعمل التنفيذي يبدأ عبر خطة محكمة يتم التنسيق لها من قبل وزارة مجلس الوزراء ووزارة الإعلام باعتبارها المتحدث باسم الوزارة الجديدة. ويأتي في مقدمة الإستراتيجية الجديدة إحكام التنسيق بضبط الخطاب الإعلامي للدولة، لا سيما وأن وزير الإعلام المهندس عبد الله علي مسار، أعلن فور أدائه القسم أمام رئيس الجمهورية، أن المرحلة المقبلة سيكون هناك ضبطاً للخطاب في كثير من الأجهزة التنفيذية على أن يبدأ ذلك بالإعلام، وربما فرضت تلك الخطوة وجود قوى سياسية كبيرة بالحكومة من مختلف الأحزاب مما يتطلب التعامل بشكل آخر فيما يتعلق بإدارة العمل في سياق محكم مستصحباً الموجهات الكلية التي تراضى عليها الجميع في الحكومة العريضة التي أعلن عن ملامحها الكلية النائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، بعيداً عن الانتقاص من دور القوى السياسية المشاركة فى الحكومة. وحتى تنطلق الحكومة العريضة في ذات التوجه الذي تواثقت عليه القوى السياسية التي إرتضت المشاركة فيها، دفع مجلس الوزراء في أولى جلسات الحكومة الجديدة، بموجهات عامة من شأنها أن تعزز من فرص نجاح العمل الجماعي، ولم تكن بحسب مراقبين، تلك الموجهات التي تراضى عليها الوزراء يقصد منها وجود اتجاه داخل الحزب الحاكم لإحكام قبضته على زمام الأمور في الحكومة الجديدة، ولكن لإرساء المشاركة وترسيخ العمل الجماعي. وقد جاءت الموجهات والسياسات والخطط التي تعتزم الدولة إنفاذها خلال المرحلة المقبلة، فيما يختص بالعمل التنفيذي والسياسي هادفة لتحقيق الضبط وإحكام التنسيق الوزاري ورفع كفاءة الجهاز التنفيذي والإداري والخدمة المدنية، ومن ضمن تلك الموجهات محاربة الفساد وضبط تحركات الوزراء والمشاركات الخارجية، بجانب ضبط الحركة المالية داخل الوزارات، إضافة إلى تأكيدات وزراء القوى السياسية من غير المؤتمر الوطني على البر بقسمهم الذي أدوه بالوقوف إلى جانب الشعب وتحقيق رغبة المواطنين في العيش الكريم والالتزام بالمسئولية التضامنية للحكومة لخدمة برنامج الحكومة العريضة ومنهج التنسيق الفعال لزيادة كفاءة الاجهزة القومية والولائية بما يحقق الاهدف القومية الشاملة. وقد جاءت تلك السياسات والخطط في شكلها الرسمي على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام المهندس عبد الله علي مسار، حينما قال إن جلسة الحكومة الجديدة الأولى في مجلس الوزراء كانت لتحديد اختصاصات وأولويات مجلس الوزراء ومرجعياته – الدستور والقانون والاستراتيجيات والقطاعات التي يدير منها المجلس عمله، كما أنها ركزت على محاربة الفساد والالتزام بالقوانين المالية لمحاربة شبهات الفساد، وان يكون الحديث باللغة العربية في كافة المناسبات الرسمية والمؤتمرات الصحفية وان تكون المعاهدات والإتفاقيات الدولية باللغة العربية، على أن يتم التنسيق والتشاور مع وزير العدل، حال طلب كتابة اتفاقات أو تعهدات أو غيرها إلى لغات أخرى، وأضاف وزير الإعلام قائلا: إن مجلس الوزراء تراضى على أن يتم تحرير كافة محاضر اللقاءات للوزراء مع السفراء لتجنب شبهات ما تكشفه بعض المواقع بالانترنت بجانب ضبط سفر المسئولين عبر دعوات خاصة أو عبر شركات خاصة إلا بإذن من رئاسة الجمهورية، وان تتم مشاركة المسئولين والوزراء في الإحتفالات التي تنظمها السفارات وفق ترتيب، مؤكداً أنه غير مسموح لأي من الوزراء أن يشارك في احتفالات السفارات التي للحكومة معها بعض المواقف إلا عبر تنسيق بالدولة، موضحاً أن المجلس أكد على أن الوزير هو شخصية سياسية وتعتبر القائد الأعلى للوزارة، وانه الشخص الذي يقوم بالخطط والإشراف، على أن يتم إسناد كافة الأعمال للجهاز التنفيذي في العمل اليومي، منوهاً إلى ضرورة أن يكون الجهاز التنفيذي فاعلاً ومدرباً وله قدرات على قيادة العمل مما يتطلب تقوية الخدمة المدنية وإعطائها الثقة الكاملة، وذكر مسار أنه من غير المقبول أن يذهب الوزراء لإدارة الأمور المالية والإمضاء على الشيكات، على أن يقوم بتلك المهام المسئولين بالإدارات المالية بالوزارة سواءً المراجعين والمحاسبين وغيرها، مؤكداً أن المجلس في المرحلة المقبلة سيكون له دوراً كبيراً بجانب التنسيق بين وزارة الإعلام بشأن الإيجاز الصحفي والمؤتمرات الصحفية لأعمال الحكومة. وأشار وزير الإعلام، عقب أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديد أن من أهم الأمور التي ركز عليها مجلس الوزراء هو دور الوزير نفسه وقال "نريد أن نتفق على طريقة لإخراج مضامين جلسات مجلس الوزراء عبر إيجاز صحفي أو إعلان مكتوب. مشيراً إلى هناك بعض الأشياء الأخرى ناقشها المجلس الحضور في المواعيد ومسألة التضامن الاجتماعي، بينما قال المتحدث بإسم مجلس الوزراء الدكتور عمر محمد صالح، إن المجلس خصص جلسته للتداول حول موجهات وآليات العمل في المرحلة القادمة، قدمها وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر والذي ذهب في حديثه لتأكيد توجه حزبه في إرساء أدب جديد للحكومات الائتلافية الراشدة قوامه الصدق والشفافية وغايته النهوض بالوطن وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وأضاف أن الوزراء أكدوا على أهمية التنسيق بين المستويين الوزاري والفني داخل الوزارات وزيادة كفاءة الجهاز الإداري بالتدريب المستمر وترقية الخبرات حتى تنهض الخدمة المدنية بأدوارها كاملة في التخطيط والمتابعة والتقويم. وكان النائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، كشف ملامح برنامج الحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة، مؤكداً أن برنامج السودان الجديد يهدف لتمدين الريف عبر نقل المدينة للريف. وأعلن طه الجهاد في سبيل نصرة المظلوم في الجوار والعالم، وشدد على ضرورة استقامة ميزان العدل في المؤسسات الأممية، وأعلن النائب الأول انتهاء عهد الجهوية والقبلية في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن الكفاءة والتأهيل ستكون هي المعيار في التوظيف، وقال إن البرنامج يبدأ بالإخوة والمحبة وجمع الصف، بجانب السعي لتوفير متطلبات الحياة الكريمة، مشدداً على ضرورة تأمين الاقتصاد والثروات، وكشف أن أوليات الحكومة ستكون تنفيذ اتفاقات السلام وإنزالها لأرض الواقع، معتبراً أن السلام أصبح سيفاً قاطعاً لكل من يريد الفتنة وخراب الديار، وتعهد طه بإتاحة أموال التأمين الأصغر لكل المواطنين مشدداً على انتهاء عهد حكر التمويل على أصحاب المقدرة، وأكد أن صيغ التمويل ستكون وفق الشريعة الإسلامية، وأردف نعمل من خلال التمويل الأصغر لإحداث ثورة في النظام المصرفي والتمويل والصيغ. ومن بين الخطوات الهامة التي تعتبر من أولويات الحكومة العريضة تعزيز دور الإعلام في المرحلة المقبلة وحث النائب الأول وسائل الإعلام بتحري الدقة والمصداقية في نقل الأخبار بجانب تجنب إثارة الضغائن والفتن والاحقاد واشاعة الفاحشة، وطالب وسائل الإعلام بالكشف عن الفساد وإحسان استخدام القيم الأخلاقية لتحسين صورة السودان التي قال انها تعرضت للتضليل والتشويه بواسطة الإعلام الغربي، مقراً بقصور دور الإعلام المحلي، وأكد طه التزام الدولة بتقديم الدعم لكافة المؤسسات الإعلامية بالبلاد في مجالات رفع القدرات التقنية والفنية والتأهيل والتدريب، داعياً إلى تقديم مضمون يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :18/12/2011