دون أدني شك فإن كل من مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور اللذان يتزعم كل منهما حركة مسلحة فى دارفور هما الآن يعيدان قراءة تطورات الأحداث بقدر من العمق والتحليل الأمين، بعيداً عن أى مخادعة للنفس، عقب مصرع الدكتور خليل زعيم حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة. وبالطبع لن يصرح أى منهما بهذه القراءة العميقة، ولن يقرّ أى منهما صراحة بأنه أخذ العظة والعبرة ولكن المواقف والأفعال والتصرفات عاجلاً أم آجلاً سوف تكشف عن كل ذلك بجلاء. ففيما يتعلق بمصرع خليل، فإن الأمر لا يتعلق بالموت فى حد ذاته كشأن قدري لا صلة له بهذا المسلك او ذاك، ولكن ما له صلة وثيقة بما نتحدث عنه هو العناد والإصرار على مواقف متصلبة ثبت عدم نفعها وعدم جدواها طالما أن الأمر يتصل بالسياسة باعتبارها فن الممكن. ولعل الرفض المتواصل للدكتور خليل للتفاوض وإصراره على مقاتلته بني جلدته وحب سفك الدماء وإشاعة الدمار كان حصاده غياب الرجل عن المسرح دون ان يحقق لا بالحرب ولا بالسلم ما كان يزعم أنه يعمل من أجله وهو أمر لابد ان يبعث على الأسى والأسف فى نفوس المراقبين عامة، وفى نفوس عبد الواحد و مناوي بصفة خاصة. فهما كانا ولا يزالان حتى الآن على ذات طريقة خليل، يقاتلان فقط ولا يهمهما ما يُراق من دماء وما يُدمر من ممتلكات وبني تحتية؛ فمناوي مثلاً دخل اتفاقية سلمية (أبوجا 2006) وكان من الممكن لو تحلي بأدنى قدر من الذكاء والمهارة ان يحولها الى جنة وارفة لصالح أهل دارفور لولا أنه شغل نفسه طوال أربعة أعوام فى تفقد قواته والطواف على معسكراته وإطلاق التصريحات غير الموقفة وانتظار الآخرين ليمنحوه ما يريد! لقد دخل مناوي رحاب العملية السلمية دون ان يحدث فيها أثراً ايجابياً ملفتاً وخرج منها دون ان يخلف وراءه أثراً يذكره له التاريخ. دخل كما خرج وخرج كما دخل لا أرضاً أبقي ولا ظهراً قطع! والأكثر سوءاً ان مناوي لا يملك ولو أدني مقدرة من القوة يستطيع بما مقاتلة الحكومة السودانية او حتى يناوشها ويحدث فرقاً! وكلنا يعلم كيف ان خليل فى وقت من الأوقات وجّه له ضربات موجعة فى مهاجريّة بجنوب دارفور حتى كاد ان يقضي عليه قضاءً مبرماً لولا تدخل الجيش السوداني. مناوي بهذا الواقع المزريّ لن يستطيع ان يحقق شيئاً ومن ثم فهو عُرضة لحالة ضعف أكثر من حالة الضعف الحالية إذا ما انخرط خلفاء خليل بعد مقتله فى عملية سلمية دخلوا بموجبها فى اتفاقية الدوحة، فسوف يزداد ضعفه وانكشاف ظهره لأن الشيء الوحيد الذى يتدثر به مناوي الآن هو وجوده ضمن تحالف الجبهة الثورية الآيلة للانهيار بعد الضربات التى تلقاها الحلو وعقار وبعد غياب خليل . عبد الواحد هو الآخر ليس بأفضل حال من مناوي، وإن كان ما يميز عبد الواحد ان لديه صلات بجهات خارجية والتي على الرغم من أنها تستخدمه لأغراضها الخاصة إلا أنها من الممكن ان توفر له غطاءاً دبلوماسياً فى أية محادثاث مقبلة. ولكن سوء حظ عبد الواحد أن وجود الدكتور التجاني السياسي زعيم حركة التحرير والعدالة بصلاته وعلاقاته الدولية وخبرته السياسية التي يصعب على اى قيادي آخر بأي حركة مسلحة ان يجاريها يمثِّل تحدي صعب له، فهو لا يملك خبرة السيسي، ولا المقبولية الكبيرة التى يحظي بها السيسي فى دارفور .