حتى الآن و قد تبقي لعملية الاقتراع المرتقبة فى السودان اقل من ثلاثة اشهر ، حيث تقرر ان تبدأ عملية التصويت فى 11 ابريل 2010 ، فان اجراءات الانتخابات من تسجيل و ترشيح و فصل فى طعون السجل و الترشيح تبدو فى مجملها جيدة ولم تسجل المضابط الرسمية أمراً شاذاً او شيئاً يستلفت النظر بحيث يخل بالعملية . هذا على الصعيد الاجرائي الرسمي ، اما على صعيد المشاركة فكما شهدنا فى عمليات التسجيل فان الناخبين المستوفين للشروط الذى تم تسجيلهم على نطاق القطر بلغ عددهم رقماً قياسيا ًبالمقارنة بانتخابات سابقة ، حيث تجاوز الرقم 14 مليون ناخب مسجل من جملة حوالي 39 مليون هم عدد سكان السودان وفقاً للإحصاء السكاني الاخير الذى سبق اجراءات التسجيل ،و هذا يعني ان رغبة المشاركة الشعبية فى الانتخابات كبيرة ،و ان هناك بالفعل استحقاق انتخابي مقبل غير مسبوق سوف يشارك فيه المواطنون السودانيون بفاعلية لم يسبق لها مثيل . و على صعيد المشاركة القوى السياسية المعارضة فى الانتخابات فان قضية المقاطعة التى كانت حديث مجالس القوى المعارضة واحدي اشهر خياراتها الت كانت تهدد لها، سرعان ما تراجعت و تبخرت فى الهواء وذلك ببساطة شديدة لأن المقاطعة سوف تضر ببعض القوى ضرراً بليغاً مثل الحركة الشعبية التى ربما فقدت شرعيتها و هى على مرمي حجر من أهم شئ ظلت تنتظره بفارغ الصبر و هو الاستفتاء على تقرير المصير . واذا جاز لبعض القوى المعارضة (الامة و الشعبي و الشيوعي) ان يقاطعوا دون أن يتأثروا سياسياً ، فان الحركة لا تستطيع عملياً مجاراتهم فى هذا الامر ، ولهذا فقد رأَينا كيف ثار الخلاف بين قوى ملتقي جوبا حول المقاطعة ، و انعقدت اجتماعات و انفضت دون الوصول الي قرار ، ثم بدأ كل حزب يقدم مرشحيه و يحدد رمزه الانتخابي ، بل انشغلت الاحزاب بقضايا الترشيحات الداخلية و النزاعات الجانبية بين مرشحيها و نسيت تماماً قضية المقاطعة او طلب التأجيل . و يمكننا ان تستشف من ذلك ان القوى المعارضة و بدلاً من ان تجعل من هذه الانتخابات افضل فرصة لها لمنازلة خصمها اللدود المؤتمر الوطني و تواجهه بشرف سياسي ، و برغبة وطنية صادقة فى نيل ثقة الناخب السوداني ، فانها جعلت منها حبل مشنقة يتدلي ليلتف حول عنقها لأنها دخلت مضمار السباق الانتخابي مكرهة، و بدون توافق حد ادني فيما بينها وبدا كل حزب مهتم بنفسه او باحث عمن يحلمه على ظهر لعبور النهر الفوار! و لعل المعضلة الوحيدة المتبقية فى هذه الجانب تتمثل فى اعطاء القوى المعارضة لانطباع مبكر انها اضعف بكثير مما كان يتصورها الناخب السوداني وعلى اية حال فهو أمر يتصل بطبيعة تركيبة هذه الاحزاب و غياب الديمقراطية بداخلها وسوء تقديرها . ومن المؤشرات الاخري على مضي عملية الانتخابات بسلاسة حتى الآن رغم خلع الرئيس البشير مرشح الوطن لبزته العسكرية ثم شطبه – بقرار منه – لقرارات ترشيح أحد أشقائه وابن شقيقته فى دوائر جغرافية ثم تقديم الحزب لتنازلات لأحزاب اخري فى دوائر جغرافية هامة بالعاصمة الخرطوم لتترشح وحدها فيها بدون منافسة منه ؛ هذه المؤشرات تعطي دلالة على عزم اكيد استقرت عليه الدولة بكامل اجهزتها لاقامة انتخابات نزيهة و مكفول فيها كل الحقوق للمرشحين تفادياً لأى تعقديات تعيد انتاج ازمة الاحتقان السياسي التى سادت فى الفترة الماضي . و على كل فان هذه المؤشرات ستضاف اليها الفرص الاعلامية المتكافئة للمرشحين فى فبراير المقبل ، عند انطلاق الحملة الانتخابية ليتم بعد ذلك انتظار قرار الناخب السوداني ليقول كلمته الاخيرة !