حينما طالب رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم، خلال مباحثات الدوحة ، قبل ان يترك قاعة المفاوضات ويعود الى ليبيا حيث مازال يقيم فيها حتى الان ، بضرورة ان يتقلد احد الجنوبيين حكم البلاد حتى لايحدث الانفصال بين الشمال والجنوب ، تبادر الى ذهني على الفور الدكتور حسن عبد الله الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي ، ذلك لأن الاخير كان قد طالب بنفس الطلب ولذات السبب قبل عام من الآن! وهذا التوارد بين الطلبين الذي وصل لحد التطابق ، قادني الى عقد مقارنة بين الرجلين اللذين أثرا، بطريقة ما اوبأخرى، على الخارطة السياسية للبلاد. فالترابي الذي تتهمه الحكومة مرارا وتكرارا، ممثلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأنه وراء كل العنف والازمة في دارفور وتصف حركة العدل والمساواة التي يتزعمها خليل بأنها ماهي الا الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي. وبعيدا عن صحة هذه الاتهامات او عدمها فانه لايمكن تجاوز الترابى بأي حال من الاحوال عند الحديث عن دارفور ، وهو ربما نفس القناعة التى وصلت اليها الوساطة الدولية المشتركة لحل ازمة الاقليم عندما ابتدرت زيارتها للبلاد ، قبل يومين بزيارة للترابى فى منزله بضاحية المنشية . ومع انه لا احد يعرف ماذا دار بالضبط فى بين الترابى والوساطة الدولية الا ان هذا اللقاء يعنى أن قضية دارفور لايمكن حلها بعيدا عن هذا الرجل. وفى هذا الصدد تقول زوجته وصال المهدى (للاحداث) خلال اتصال هاتفى: "الترابى يمكنه ان يحل مشكلة دارفور فى وقت وجيز لابسبب علاقته بحركة العدل والمساواة وإنما بسبب خبرته الكبيرة بالمنطقة وظروف الازمة". أما خليل فيمكث حاليا في منطقة حدودية بين ليبيا وتشاد ويخطط للدخول في مفاوضات جدية مع الحكومة في الدوحة الفترة المقبلة بعد ان رتب أوراقه مرة اخرى ، ويهئ نفسه لمنصب كبير في القصر الجمهوري. ويحمل الزعيمان السياسيان لقب دكتور فالترابي يحمل دكتوراة في القانون اما خليل فهو طبيب لم يمارس مهنة الطب الا في مناطق العمليات العسكرية في جنوب البلاد عندما كان "مجاهدا" مع غيره من المقاتلين. ويعتقد كثيرون ان خليل ماهو الا امتداد للترابي وانه يحاول ان يطبق الافكار ذاتها التي يعتنقها زعيم الاسلاميين وعرابهم ، وان فرضية ان العدل والمساواة هي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي تبدو صحيحة من هذا المنطق. ولايرى المحبوب عبد السلام ، احد قيادات المؤتمر الشعبي صحة هذه الفرضية ، ويقول (للاحداث) ان خليل ماهو الا احد تلاميذ الترابي المنتشرين في كل انحاء العالم وليس بالضرورة ان يكون امتدادا لأفكاره (الترابي مفكر معروف وله اسهاماته الفكرية الواضحة ، اما خليل فهو كادر في الحركة الاسلامية واختار طريق العنف ليطالب مايعتقد انها حقوقه المشروعة). قبل ان يتحرك مقاتلو حركة العدل والمساواة من منطقة "ام جرس" في طريقهم نحو امدرمان ، قبل نحو ثلاث سنوات ، في عملية تم اطلاق اسم "الذراع الطويل" عليها ، خاطبهم قائدهم خليل بخطاب مشحون بعاطفة دينية – حسبما شاهدته في مواقع اليو تيوب – وطالبهم باقامة العدل واحقاق الحقوق، فيما كان المقاتلون يهتفون في حماسة (سير.. سير ياخليل) وهذا الامر يعيد للاذهان خطابات الترابي الحاشدة والحماسية التي كان يلهب بها حماس المجاهدين قبل ان يتوجهوا الى مناطق العمليات العسكرية في الجنوب. يقول سليمان جاموس ، وهو يتقلد منصب منسق الشئون الانسانية بحركة العدل والمساواة ان خليل كان متأثرا بشكل كبير بالترابي وكان كثيرا مايستشهد بآرائه وافكاره. ويضيف جاموس والذي يعتبر من تلاميذ الترابي ايضا في مهاتفة مع (الاحداث) ان خليل هو اكثر ابناء دارفور تأثرا بالترابي ( كان كثيرا مايقلد خطابات واكليشيهات الترابي خلال الجلسات الخاصة ويؤمن بأن الترابي بامكانه حل مشاكل السودان كافة). ويعتقد المحلل السياسي ادريس الدومة ان الشخصيتان تتميزان بصفة قل ان توجد في السياسيين السودانيين وهي الشجاعة في التعبير عن المواقف السياسية. ويدلل الدومة لحديثه بحادثتين: الاولى هو جرأة خليل في دخوله الى مدينة امدرمان بقواته لأول مرة في التاريخ السياسي للبلاد ، مخالفا بذلك كل فصائل دارفور التي لم تفكر قط فى غزو العاصمة وانما اكتفت بحرب المدن والعصابات ، والثانية هو دعوة الترابي صراحة للرئيس عمر البشير لتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية التى تتهمه بارتكاب جرائم حرب وضد الانسانية فى دارفور ، وهو مالم يسبقه اليه اي سياسي سودانى حتى من قيادات الحركة الشعبية المتطرفة – العدو المفترض لحزب المؤتمر الوطنى . وبالنظر الى منفستو حركة العدل والمساواة ، طبقا لما هو مكتوب في موقعها الالكتروني فإن الحركة توصف نفسها بالقومية وتنادي بازالة ما وصفته بالتهميش عن كافة انحاء السودان وليس دارفور فقط كما تنادي بذلك بقية الفصائل في الاقليم. وينتظر رئيس الحركة موقعا دستوريا في القصر الجمهوري وتحديدا نائبا للرئيس كما طالب به اكثر من مرة ، وبالرغم من ان القيادي بالمؤتمر الوطني ، وكبير مفاوضي الوفد الحكومي في مباحثات الدوحة امين حسن عمر قد ترك الباب مواربا بشأن تقلد خليل لأحد المواقع الدستورية العليا في البلاد، عندما تحدث للصحيفة فى وقت سابق ، الا ان كثيرا من المراقبين يذهبون للاعتقاد بأن خليل سيعمل بالوكالة لصالح الترابي على غرار ماحدث في بداية عهد ثورة الانقاذ الوطني ، وبعد ان فقد كل تلاميذه في القصر الرئاسي، غير ان المحبوب يفند هذه الفرضية ايضا ويقول ان الترابي لايحتاج الى من يعمل لصالحه بالوكالة (صحيح ان خليل يحمل افكار الاسلاميين ، ولكن من غير الممكن ان يعمل لصالح الترابي في المستقبل). اما سليمان جاموس فيقول ان كل شئ جائز في فكر الاسلاميين (خليل غير مصنف من ثوار دارفور وكثير منهم يعتقد انه يمثل امتدادا لافكار الترابي). ويميل الدومة الى قبول فرضية العمل بالوكالة باعتبار انه امتداد لتنفيذ فكرة قديمة مرتبطة بالاسلام السياسي ( خليل مايزال يعتنق فكرة قيام الدولة الاسلامية وهي نفس الافكار التي تشبع بها من تنظيرات شيخه الترابي). والمفارقة اللافتة للانتباه هنا ، ان الترابى اكد اكثر من مرة أنه سيحل مشكلة دارفور – لو اراد – فى فترة وجيزة بل انه قال فى احدى تصريحاته الصحافية "اننى سأجد حلا لمشكلة دارفور فى غضون ثلاث دقائق". فيما يتهم خليل ابراهيم بأنه وحركته العدل والمساواة احد الاسباب الرئيسة التى جعلت الازمة فى دارفور تتطاول وتتعقد لتصل الى سبع سنوات منذ اندلاعها فى العام 2003. الخرطوم: محمد عثمان عمر