لمجرد أن زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي وجّه انتقادات حادة الى تحالف قوي المعارضة السودانية مؤخراً، إتهمت قوى المعارضة (جهات وصفتها بأنها تسعي لدق إسفين) بين قوي المعارضة لتشتيتها. الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي من جانبه قال إنهم فى الشعبي قادرون على مواجهة الوطني ولكن أخلاقهم تمنعهم من إراقة الدماء! محمد ضياء الدين الناطق بإسم حزب البعث قُطر السودان عضو التحالف أقرَّ بوجود ما أسماها (تبايُنات) داخل التحالف نافياً تأثيرها على عمل التحالف ومتَّهِماً جهات معينة بالوقوف وراء الخلافات! وما من شك أن هذه الخيوط المتقاطعة داخل صفوف قوي المعارضة تكفي وحدها دون الحاجة الى إضافة لتِبيان الدَرَك السحيق الذى تتردَّي فيه هذه القوى، فالتحالف المنادي بالتحول الديمقراطي وبسط الحريات – مع أنَ القدر المتوفر منها فى الساحة السودانية ليس قليلاً – لم يحتَمِل المِران الديمقراطي الداخلي بين مكوناته، إذ أنه وحالَما وَجَّه َأحد أعضائه نقداً له حتى إعتبره قادة التحالف (عملاً عدائياً من خارج التحالف لدق إسفين بين مكوناته)! والأدهى و أمرّ أنَّ ذات الذى وجّه هذا الإتهام لقوي أخري لم يسمِّها عاد وقال إن الانتقادات التى وجهها المهدي طبيعية وحق من حقوقه ولا تؤثر على جسم التحالف! من الواضح هنا أن هنالك اضطراب وسوء فى تفسير المواقف وركون سهل الى نظرية المؤامرة فى الوقت الذى فيه لا حاجة لأي قوة لدق إسفين بين قوى تزعم أنها معارضة وتقرُّ علناً بضعفها وتتهِم جهات أخري بإضعافها ؛ فإذا كانت هذه القوى المعارضة ضعيفة وقابلة للتشتيت والتبعثر، فكيف يطمئن لها المواطن السوداني ويمنحها ثقته و يراهن عليها؟ والأكثر غرابة من كل ذلك أن الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي المعارض كمال عمر يقول دون أن يطرف له جفن إن (أخلاقهم) فى الحزب هى الحائل الوحيد الذى يحول بينهم وبين مواجهة الوطني وإراقة الدماء! فإذا كنا حيال عمل سياسي سلمي – عبر أحزاب سياسية تتوسل بالوسائل السلمية، ما دخل هذه الممارسة السياسية بإراقة الدماء؟ هل أصبحت الدماء جزءاً من وسائل العمل السياسي للأحزاب السياسية السودانية؟ وإذا جاز لنا أن نمضي فى هذا الصدد لأبعد من ذلك، ما الذى يفعله المؤتمر الشعبي فى سبيل إسقاط الوطني؟ ما طبيعية صلة الشعبي بحركة العدل والمساواة للحد الذى أفقدَ الحزب - عقب مصرع خليل - أعصابه وجعلته يلوِّح بإراقة الدماء؟ لماذا حرِص الشعبي على إدانة مصرع خليل مع أن هذا أمر متوقع طالما أن خليل كان متمرداً حاملاً للسلاح وإرتضى المواجهة ؟ لماذا لم يحرص الشعبي – منذ العام 2003، عام إنشاء حركة العدل والمساواة – على إدانة عمليات العنف المتكررة التى درجَ على القيام بها خليل ؟ لماذا لم يستنكر الشعبي الهجمات البشعة التى ارتكبتها قوات خليل فى أنحاء شمال كردفان وشمال دارفور من اختطاف للصبية ونهب لممتلكات المواطنين وإحراق القرى وترويع الآمنين؟ هل وزن دماء خليل أثقل فى ميزان الشعبي من وزن دماء العشرات الذين حصدتهم بنادق حركته الموتورة ويجري الآن حصرها توطئة لتعويض أهلهم؟ لقد أراق الشعبي فى الواقع ما يفوق المطلوب من الدماء بتحالفه غير المُعلن مع حركة خليل والذي لم يعد ينطلي على السُذج والبسطاء. إن أزمة قوي المعارضة السودانية أكبر بكثير مما هو بادٍ على السطح؛ هى أزمة أخلاق سياسية وأزمة وازع وطني ونظافة ثياب وطهارة وطنية، ولهذا كان من الطبيعي، بل والمحتم أن تدق هى نفسها وبيديها الإسفين الذى لا يفرِّق فقط بين مكوناتها المتنافرة ولكن يفرق أيضاً بينها وبين المواطنين السودانيين بمختلف توجهاتهم ورؤاهم وإنتماءاتهم !