من الأزمات التي لم يلتفت إليها الجنوب بعد تقلد الحركة الشعبية وإحكام سيطرتها علي الدولة الوليدة ومدنها وتشكيل حكومة الغالب في قيادتها هم قادة الحركة سواء كانوا سياسيين صاغوا نهج الحركة وتوجهاتها إبان فترة الحرب أو قادة ميدانيين إرتدوا البزة العسكرية أمثال فليب أقوير وجورج أطور وفاولينو ما تيب وغيرهم.. وهي ما جاءت به إتفاقية السلام الشامل من سياسات وفقاً لتقاسم خزائن الثروة ومقاعد السلطة. وفي ذات التوقيت الذي كانت الحركة الشعبية تبحث عن ذاتها ومحاولة رد الجميل لمن عاونوها علي تحقيق أهدافها حتى نالت حكم الجنوب حيث كان في الطرف الأخر قيادات جنوبية لها نظرة أخري في تلك السياسات خاصة بعد تفشي حالات "فساد" وفشل حكومة جنوب السودان علي حد قول سياسيين في تأسيس بنية تحتية لجنوب السودان بعد ما أتيحت لهم الفرصة في التحصيل علي عائدات وإيرادات النفط بنسبة 50% حيث يواصل هؤلاء السياسيون في القول.. أنه كان من الأرجح توظيف تلك الأموال لصالح المواطن الجنوبي حتى تستطيع الحركة الشعبية كسب ثقة ذلك المواطن ان كانت ترغب في قيام دولة. في حين إتجه بعض القادة الميدانيين في إعلان إنسلاخها عن الحركة الشعبية والعودة الي قيادة نضال مسلح جديد ولكن في هذه المرة علي الصعيد الداخلي فقد تمرد القيادي العسكري حامل رتبة "اللواء" الجنرال جورج أطور في منطقة الاستوائية والتي كانت نقطة إنطلاق والصراع المسلح مستغلاً في ذلك التكوينة القبلية التي يعيش فيها أبناء الجنوب من قبائل "الدينكا- الشلك- المورلي وغيرهم " مما ساعد علي إنتشار وتوسيع نشاط الفئات والمجموعات المتمردة حتى حدود ولايات الوحدة في مدينة بانتيو وإستهداف الخطوط الناقلة للنفط عن طريق" هجليلج- سرجاك- ربكونا" الأمر الذي أضحي مهدداً حقيقياً لحكومة الحركة الشعبية في ظل إستنزاف جديد طال مواردها فكانت الخطوة الأولي في سد باب التمرد البحث عن مصادر تمويله حيث ظل الأمين العام للحركة الشعبية السيد باقان اموم في توجيه الإتهام لحكومة الخرطوم بأنها ظلت تقدم الدعم للحركة المتمردة في الجنوب بغرض خلق عدم الإستقرار بالجنوب التي نفته حكومة الخرطوم جملة وتفصيلاً بأن ليس لها أدني علاقة بما يحدث في الجنوب من صراع حسب ما أدلي به الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية آنذاك دكتور كمال عبيد. كذلك فقد كانت هناك برقية بعث بها اللواء جورج أطور للرئيس اليوغندي يوري موسفيني قبل تسجيل زيارة ليوغندا والتي علي أثرها لقي مصرعه حيث أوضح من خلال البرقية أسباب ودوافع تمرده والخروج عن طوع الحركة وجيشها بعد السياسات التي ظلت تنتهجها الحركة الشعبية وحكومة الجنوب في صناعة دولة قبلية تنعدم فيها أسس ومقومات الديمقراطية التي من أجلها حاربنا أيام النضال لكي نشهد إستقلالنا ونبني دولتنا. من جانبه يقول البروفيسور ديفيد ديشان رئيس الجبهة الديمقراطية ل"الوفاق" إن الجنوب الآن يشهد صراعاً قبلياً طاحناً قد يرمي به في بركة الحرب الأهلية وهو يستدعي التأكد القاطع من فشل حكومة الجنوب في توفير الاستقرار وإقامة مصالحات وبناء تنمية قائلاً إن المشكلة تكمن في السماح المتكرر من قبل حكومة الحركة الشعبية في التمرد "الأجنبي" لذا نحن كقوي سياسية جنوبية ندعو بداية الي إعادة النظر في الدستور الجنوبي وإشراك التنظيمات والأحزاب السياسية في الحكومة بالإضافة الي إقامة جيش جنوبي قومي وليس جيش حزب مع مراعاة إحتياجات ومتطلبات المواطن الجنوبي وهنا نحن نتساءل هل يصبح الجنوب بوابة الصراع القبلي الجديدة في القارة؟ نقلا عن صحيفة الوفاق 8/1/2012