أظهر تقرير مفوضية التقويم والتقرير لاتفاق نيفاشا الضافي الذي صدر مؤخراً حقائقاً مهمة بشأن انفاذ اتفاق سلام نيفاشا الموقع في التاسع من يناير 2005. فقد قال التقرير أن الحركة الشعبية تسلمت (بالكامل) مستحقاتها من عائدات النفط، كما أن قدراً كبيراً من بنود الاتفاقية قد تم انفاذه – على الرغم من العقبات والصعوبات التي واجهت الشركاء – حيث لم يتبق سوى ترسيم الحدود وبروتوكول أبيي. وبدأ رئيس المفوضية السير (ديريك بلامبلي) متفائلاً للغاية حيال ما تبقى من بنود خاصة قضية الاستفتاء على تقرير المصير والتي برأيه قطع الشريكان في سبيلها شوطاً كبيراً ولا ينقصها سوى تكوين مفوضية الاستفتاء والاتفاق حول مرحلة ما بعد الاستفتاء، وتعرض التقرير الى قضية انعدام الأمن في الجنوب السوداني باعتباره عنصراً سالباً يؤثر على مجمل العملية السلمية داعياً حكومة الجنوب لبذل جهوداً مخلصة في هذا الصدد للسيطرة على الأمن في الاقليم. ولعل أكبر اشارة أوردها التقرير وأدهشت المراقبين حقاً، أن التقرير قال ان الجيش الشعبي لم ينفذ عملية اعادة انتشاره الى الجنوب من حدود 1956كما قررت بنود الترتيبات الأمنية الا بنسبة لا تتجاوز ال26%!! فقط. في حين أن القوات المسلحة الحكومية نفذت إعادة انتشارها إلى الشمال من حدود 1956 بنسبة 100%، والواقع أن هذه الاشارة تعتبر وفقاً للقانون بمثابة (خرق واضح) لا لبس فيه ولا غموض لاتفاق نيفاشا ومن الغريب حقاً أن الحركة الشعبية الاكثر ارتفاعاً في الصوت بشأن تنفيذ اتفاق نيفاشا ترتكب هذا الخرق المتعمد لاتفاق نيفاشا 2005 وفي الوقت نفسه – ودون أن تستحي – تظل تنادي بتنفيذ اتفاق نيفاشا. وبامكاننا أن نتصور لو أن عدم اعادة الانتشار والانسحاب هذا وقع من جانب الجيش الحكومي، وبهذه النسبة المتواضعة 26% فقط ماذا كان سيكون موقف الحركة الشعبية؟ من المؤكد أنها ما كانت لتكتفي بالصراخ والصياح ولكنها ربما وصلت الى مرحلة الصدام العسكري كما حدث قبل عام في منطقة أبيي حين قاد ادوارد لينو حرباً شعواء قضى بموجبها على الاخضر واليابس في أبيي، لمجرد قضايا خلافية في المنطقة وليس انسحاب جيوش!!، ولعل ما يدعم ما قالته مفوضية التقويم وفوق انها مفوضية مستقلة ارتضاها الطرفان ومن ثم لا مصلحة لها في ايراد وقائع ليست صحيحة. ما يدعم ما قالته أن الحركة الشعبية لزمت الصمت، وهي لابد أن تلزم الصمت لأنها اذا تحدثت فإن من المؤكد أنها ستغالط والمغالطة في أمور كهذه لا تجدي لأنها أوضاع موجودة على الارض وبالإمكان رؤيتها واثباتها بالعين المجردة. وعلى كل فإن ما أوردته مفوضية التقويم يستلزم أن تعود الحركة الشعبية الى رشدها السياسي، فقد الفناها كثيرة الشكوى، دائمة الحديث عن خروقات من جانب شركائها، دائمة الظهور بمظهر المظلوم الضعيف وها هي الآن تظهر بمظهرها الحقيقي، حيث لا تزال خارقة لبنود الترتيبات الأمنية دون أعذار، وفي الوقت نفسه تطالب شركائها بتنفيذ الاتفاق!!