الدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي المعارض لم تسلم الجماهير السودانية من سخريته التي ما فتئ يوزعها يمنةً ويسرة؛ فقد سخِر الترابي من السودانيين مؤخراً حين قال أن السودانيين هم الذين يعقدون قضاياهم بتقديسهم لزعمائهم السياسيين! الترابي لم يقف عند هذا الحد ولكنه أهال التراب – جملة واحدة – على شركائه في تحالف المعارضة حين قلل إلى حد العدم من قدرتهم على فعل شيء دون أن تكون الجماهير في مقدمتهم وليس هم – كمعارضة – في مقدمتها! وإعتبر أن وجود الشعبي أو الأمة داخل أو خارج المعارضة لا جدوى منه، على إعتبار أن الفعل الثوري فعل جماهيري تقوم به الجماهير. ولا شك أن أقرب وأبسط نتيجة يمكن استنتاجها من هذا التصريح الصريح أن قوى المعارضة السودانية، هي نفسها، دعك من غيرها لا تأنس في نفسها الكفاءة لإزالة السلطة القائمة رغم تهديداتها والتصريحات النارية التي درجت على إطلاقها ليل نهار. وينضاف لهذه النتيجة استنتاج آخر فحواه أن قوى المعارضة فشلت تماماً في إقناع الشارع السوداني في التحرك لصالحها وهو ما يُستفاد منه أن الشارع السوداني هو الآخر ليست له أي ثقة ولا قناعة من أي نوع بهذه القوى المعارضة. ولهذا فإن السؤال الهام المترتب على هذه النتائج هو: لماذا إذن تتعِب قوى المعارضة نفسها وتتكبد كل هذا العناء الذي لا طائل منه طالما أنها غير مرغوب فيها شعبياً، وطالما أنها – من الأساس – ليست بالقوة التي تسقط بها سلطة حاكمة؟ من المحتمل أن هذه القوى المعارضة تعمل لصالحها الخاص إما بدوافع ثأرية انتقامية كما هو الحال بالنسبة للمؤتمر الشعبي كحزب يتأسس أصلاً على فرضية غضبة وخلاف عميق بينه وبين المؤتمر الوطني، أو بدوافع عقدية كما هو الحال بالنسبة لقوى اليسار العريض الظاهرة والمستترة ؛ أو حتى بدوافع الوصول إلى السلطة – كهدف وطموح خاص – كما هو الحال بالنسبة للذين يحملون السلاح وقد نبتَ لحمهم من سحت إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، هم يظنون أنها تساعدهم من أجل سواد عيونهم وهي تريدهم (لأهداف خاصة بها). الشعب السوداني بذكائه المعهود وفطنته أدرك هذه الحقيقة المؤسفة، ولهذا فقد كان يتعيَّن على قوى المعارضة إن كانت جادة ومسئولة عن حق وحقيقة، أن تجري بحثاً عميقاً عبر ورشة عمل مفتوحة لمعرفة سبب إحجام السودانيين قاطبة عن مسايرتها أو دعمها وتشجيعها في الثورة ضد السلطة. هذا السؤال جدير بالنقاش الهادف الموضوعي حتى تستفيد منه هذه القوى أما في إعادة قراءة الواقع بعين فاحصة أو في إعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها أو حتى في الإلمام – من باب العلم بالشيء ولا الجهل به – بطبيعة الأوضاع . إن سخرية الترابي من الجمهور السوداني ونسيانه كحكم هذا الجمهور عليه وتجاهُل رجل مثل أبو عيسي لماضيه القديم (المايوي) وماضيه القريب في العواصم العربية وسعيه الدءوب بين السفارات الأجنبية باحثاً عن المال والدعم وتقلُّب السيد الصادق المهدي في المواقف تارة بإرتضاء التفاوض مع الحكومة وتارة برفض التفاوض – كل هذه أمور يصعب على السودانيين التجاوز عنها، وقد صدق السيد الصادق – مرّة – حين جادل حلفائه في المعارضة بشأن استعجالهم إسقاط السلطة القائمة متسائلاً – في غضب – عن النتائج والبدائل الممكنة، بما يشير إلي أن قوى المعارضة نفسها تبحث عن بديل ولا تري أنها هي ذلك البديل. من المؤكد – إزاء هذه الحقائق – أن السودانيين لا يأنسون الكفاءة في هؤلاء!