غاب كبار قادة القوى السودانية المعارضة عن مسيرة الاثنين البرلمانية الأولي والثانية. وحتى هذه اللحظة، وربما لسنوات مقبلة سيظل سر غياب هؤلاء القادة عن المسيرة لغزاً ينضاف الى سجل ألغازهم السياسية التي لا تنتهي. فقد غاب زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي ولم نسمع عنه أو منه شخصياً مبرراً، وغاب الدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم المؤتمر الشعبي، ولم نسمع عنه أو منه عذراً، وغاب السيد محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي ولم نسمع عنه أيضاً أو من عزراً، وغاب قادة الاتحاد الأصل بزعامة الميرغني، وغاب قادة ونشطاء سياسيين من اليسار، ومن حركة ميناوي، بل أن ميناوي نفسه غاب ولم يستطيع في لقاء أجرته معه قناة الجزيرة أن يقول شيئاً ذا بال، ولربما أراد الاكتفاء ضمناً بحديث سابق له بأنه يعتبر (مساعد حلة) – حسب تعبيره وليس كبيراً لمساعدي الرئيس!! وقد اشرنا إلى غياب هؤلاء القادة لنؤكد على شيء مهم للغاية، إذ ليس مقصدنا هنا إصرارنا على حضورهم بأجسادهم كأمر له رمزيته، ولكن المقصد بسيط للغاية نود التركيز عليه بعمق هنا وهو كالآتي: إذا كانت هذه القوى المعارضة مؤمنة حقا بحقها في التظاهر وان التظاهرة (سلمية) كما أكدت وقالت، وان التظاهرة عمل سياسي ومران ديمقراطي مطلوب، والقادة دائماً هم من يفتتحون العمل السياسي وهم من يتقدم الصفوف لماذا لم يتقدم هؤلاء القادة (وهم أصلاً متفرغين للعمل السياسي) صفوف تظاهرة الاثنين؟ أفلا يعتبر تقدمهم أمام جماهيرهم التي يعتقدون أنها كبيرة ومؤثرة بمثابة إعطاء بعد ودفع حقيقي للعمل ؟ هل كانوا ينأون بأنفسهم عن الغبار والبمبان مثلاً، وأين هي التضحية الحقيقية من اجل المبادئ؟ وكيف لمنسوبي هذه الأحزاب أن يصدقوا قادتهم مؤمنين بما يفعلوا إذا لم يكونوا معهم في ميدان العمل؟ من الواضح أن الغياب تم لأسباب مجهولة وستظل كذلك، ولعلنا هنا نشير إلى ناحية أخرى هي موضع الداء نفسه، فقادة هذه القوى يعلمون بالاختلال التنظيمي في أحزابهم ويعلمون حجم هذا الخلل الزى تعيشه أحزابهم، فخز مثلاً حزب الأمة بزعامة السيد الصادق، فقد بلغ به القعود التنظيمي مبلغاً احتل فيه شباب من الحزب (جيش الأمة) دار الحزب لأيام وجرت اعتصامات، واحتجاجات ولم يسمعوا للإمام الصادق أي كلمة حتى اضطر رئيس مجلس الأحزاب للتدخل وحل الأزمة!! كيف لحزب بهذه المشاكل والعقد والصعبة أن يقود تظاهرة سلمية؟ وكيف يتسني لزعيمه الحضور والمشاركة ومنسوبيه أنفسهم لديهم معه ثارات ومشاكل؟ خذ مثلاً د. الترابي وحزبه، من تبقي له في الحزب سوى رفيقيه الثلاثة، رحمة والسنوسي وعبد الله حسن احمد؟ كيف له أن يحضر تظاهرة ليس في صفوفها من خلقه حزب بمعني كلمة حزب وليس مجرد رفقاء وأصدقاء يجمعهم حنين ورابط أنساني فقط؟ أنظر إلى الحزب الشيوعي، أين هم شبابه وأين جماهيره، التي من شانها أن (تبيض) وجه سكرتيره وهو يعلم أن العالم يرى ويشهد والناخب السودان ذكي ولماح؟ لقد كان من المحتم أن يتغيب هؤلاء عن مسيرة كهذه كانت بالنسبة لهم مسرحاً للا معقول بكل ما يعنيه هذا المعني، فالتنظيم مهتري ومهتز والهياكل الخرصانية قائمة بلا دعامات قوية، ومواد البناء شحيحة أو منعدمة. أن اخشي من خشيناه من نتائج تلك التظاهرة وتحقق بالفعل أن الحركة الشعبية – بخبث عرمان وأموم – قصدت أن تقوم بعملية (تعرية) و (فضح) سياسي خبيث للقوى المعارضة، وسيأتي اليوم الذي يعاير فيه قادة الحركة كل من السيد المهدي والترابي ونقد بأنهم لم يكونوا في الميدان يوم أن كانت كل الدواعي تقضي أن يكونوا هناك!