لا تمتلك قوى المعارضة السودانية رؤية وطنية أو برنامجاً سياسياً محدداً ومع ذلك تدعو لإسقاط الحكومة السودانية. ولا تأنس قوى المعارضة السودانية فى نفسها الكفاءة لكي تكون بديلاً للحكومة القائمة، ومع ذلك لا تملّ من تهديد الحكومة السودانية بإسقاطها. اللعبة على هذه الشاكلة قديمة ومتجددة حتى أصبحت قوى المعارضة السودانية شبيهة بحالة الذى يعتاد عليه الناس وهو يهزى ويحادث نفسه وهو يعلم وهم يعلمون أنه لن يفعل أكثر من ذلك. غير أن هذا كله ليس بذي أهمية، فقد تولت قوى المعارضة بنفسها مهمة وضع نفسها أمام الامتحان الجماهيري أكثر من مرة حين وجهت أكثر من دعوة للجماهير للخروج فى تظاهرت ولم تلق إستجابة حتى من منسوبيها، دعك من الذين تحلم أن ينتفضوا لصالحها، وما قصة ورقة الراحل نقد (حضرنا ولم نجدكم) ببعيدة عن الأذهان، ولكن ما يستوقف المراقب هو أن أحداً من هذه القوى جميعها لم يأخذ الدرس والعظة الوطنية من مسيرة 23 عاماً إذا أجرينا فيه جرداً للحساب السياسي لهذه القوى لوجدناه صفراً كبيراً. فعلي عشرات، إن لم لكن مئات المواقف الوطنية الكبيرة، كان حظ قوى المعارضة لا يذكر ولعل آخر هذه المواقف، العدوان الاسرائيلي الشديد السفور الذى وقع مؤخراً على مصنع اليرموك جنوبيّ العاصمة السودانية الخرطوم. لو كانت هذه القوى راشدة وتتحلّي بالوعي، ولديها تطلع للمستقبل لخرجت الى الشارع حال الهجوم وأدانته على الملأ. لا حياء فى المواقف الوطنية الفارقة حتى ولو كان جزءاً كبيراً من عائدها يصب فى مصلحة الحكومة فالتاريخ لا ينتظر، وسطوره لا تتغير ولا تقبل أنصاف المواقف. إن الجماهير السودانية التى ما فتئت تفتقِد قوى المعارضة فى كل حادثة تلم بها، هى دون شك لن تضع وزناً لهذه القوى، فضلاً عن أن تسلمها قيادها فى المستقبل. لا يوجد عقلاء بين هذه القوى يولون إهتماماً مثل هذه المواقف ومع ذلك فإن ذات القادة الذين تفوت عليهم مثل هذه الأمور يعودون ليحاولوا فى كل مرة استدرار تأييد الجماهير ومناداتها لكي تخرج وتقوم بالمهمّة نيابة عنهم! أنظر لرجل يطلق عليه قيادي فى حزبه الشعبيّ، ونعني به كمال عمر، يطلق التصريحات يمنة ويسرة ويحمِّل الحكومة السودانية الحدث كاملاً، ولا يجد حرجاً فى مواصلة إنتقاداته غير الموضوعية تاركاً جوهر الحدث وموضوعه الأساسي، ناسياً القضية المحورية التى تجعل من العدو الاسرائيلي عدواً للكل. أنظر لرجل مثل د. عبد الرحمن الغالي القيادي بحزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي يقرّ صراحة – دون حياء – بعدم وجود برنامج أو رؤية سياسية لقوى المعارضة وصعوبة التواضع على أمر من هذه الشاكلة، ثم يعود ويطالب – دون حياء بإسقاط النظام! أنظر الى أحزاب البعث والشيوعي، ورغم كونها لم تعد تذكر، إلاّ أنها فضّلت الانزواء والصمت المطبق مع أن العدو الاسرائيلي واحداً من أهم وأكبر أعدائها، ولو على صعيد أدبياتها المعلنة نظرياًّ. إن موقفاً لا يكلف شيئاً حيال ما جرى كان كفيلاً بإعطاء ولو قدر قليل من الشعور أن هذه القوى المعارضة (حيّة) وقابلة للحياة. لقد ملّ الناس غاية الملل الأحاديث المكرورة بإسقاط النظام تارة سلمياً تارة بالقوة! هذه الاسطوانة باتت بائرة، فقد أقرّت كل هذه القوى – فرادى أو مجتمعين – بشرعية الحكومة الحالية بطريقة أو بأخرى، وبعض هذه القوى – للاسف الشديد – تقول فى الغرف المغلقة ما لا تجرؤ على قوله فى العلن وأمام مكبرات الصوت وفى الصحف السيارة! وأكثر القادة المعارضين جعجعةً وجلجلةً، هم أكثرهم همساً وتوسُّلاً لدي إلتقائهم – فى الصالونات الدافئة – مع قادة الحكومة السودانية؛ إنها حقاً أكذوبة ما بعدها أكذوبة!