فيما يعتبر نذر مواجهة جديدة – بينه – بين السودان والمجتمع الدولي، من جديد، أشهرت الولاياتالمتحدةالأمريكية سيف تهديداتها أمام حكومة الخرطوم، هادفة إلي التدخل في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، دون موافقة الحكومة السودانية بحجة تدهور الأوضاع الإنسانية، بعدما زعمت أن المنطقتين تقاسيان من ظروف إنسانية تقترب من المجاعة، وهو ما تعارضه الحكومة بقوة وتري بان على الولاياتالمتحدة والمنظمات الدولية المختلفة تقديم معوناتها عبر الآليات الوطنية. وبحسب مراقبين فإن لهجة الولاياتالمتحدة التصعيدية من شأنها أن تقود ليس فقط إلي توتير العلاقات بين الخرطوموواشنطن، ولكن بين السودان والمجتمع الدولي كذلك، علاوة على التوتر المتفاقم مع الجارة الجنوبية. وبهد أن شهد الأسبوع الماضي، حراكاً إعلامياً واسعاً ابتدره عدد من مسئولي واشنطن، عادت الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتجدد على لسان مبعوثها الخاص إلي السودان، برنتسون ليمان، هذه المرة، ذات مواقفها التي أعلنتها الأسبوع الماضي، على ألسنة متعددة من مسئوليها على رأسهم مندوبتها الدائمة في الأممالمتحدة سوزان رايس، وبمساندة نشطاء مجتمعين، وهي مواقف نحت في مجملها إلي تحذير الخرطوم من أن الإدارة الأمريكية ستتدخل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد أن صورتهما بأنهما تعيشان أوضاعاً إنسانية مأساوية. وأمس الأول، الثلاثاء خرج مبعوث الرئيس باراك أوباما الخاص إلي السودان، برينستون ليمان، ليقول إن العالم لن ينتظر حدوث مجاعة بالسودان، وإن واشنطن يمكن أن تتخطي موافقة الحكومة السودانية، لإيصال المساعدات، وقال المبعوث الأمريكي (إن الولاياتالمتحدة قالت لشركائها إن العالم لا يمكنه أن ينتظر المجاعة دون القيام بأي شيء، بمناطق مهددة بالمجاعة في السودان، وأكد عزم بلاده تخطي موافقة الخرطوم التي حثاها بالموافقة على وصول المنظمات غير الحكومية إلي تلك المناطق، التي أعتبر ليمان أن الوضع ميؤوس منه فيها. وقال(نحن قلقون حالياً من أزمة إنسانية خطيرة في هذه المناطق خصوصاً في جنوب كردفان). مشيراً إلي أن الولاياتالمتحدة حذرت شركاءها في أفريقيا وفي مناطق أخرى من أن العالم لا يمكنه أن ينتظر المجاعة دون القيام بأي شيء. وأضاف (لقد حذرنا حكومة الخرطوم من أنه يوجد الكثير من الضغط، كي ندرس الطريقة التي يمكن معها إيصال المساعدات، من خلال اجتياز الحدود بدون موافقتها). وتابع (نعلم أن هذا الأمر يتضمن الكثير من المخاطر، نعلم أن الحكومة سوف تعارضه)، مشيراً إلي أن واشنطن لم تأخذ أي قرار بعد. تصريحات ليمان جاءت غير مبالية بالتحذيرات المتكررة التي أطلقتها الخرطوم باتجاه واشنطن ومسئوليها، من مغبة التدخل في المناطق التي تزعم بوجود أوضاع مأساوية فيها، وأنه في حال حدث ذلك فعليها – واشنطن – أن تتحمل مسئولية سلامة الموظفين الإنسانيين الذين يدخلون من دون علم الحكومة السودانية. ولم تنح تصريحات المبعوث الأمريكي بعيد عن تصريحات أدلت بها المندوبة الأمريكية في الأممالمتحدة سوزان رايس، عقب جلسة مغلقة لمجلس الأمن، تداولت الأوضاع بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، قالت فيها إن الأوضاع في جنوب كردفان والينل الأزرق، إن الموقف في المنطقتين يمكن تصنيفه حالياً في مرحلته الرابعة، وهو ما يعني اقترابه من حد الوصول الى درجة المجاعة. وقالت أيضاً (إن جميع ممثلي الدول الأعضاء في المجلي اتفقوا على أن حكومة الخرطوم لم تقم بالوفاء بالتزاماتها في السماح لعمال الإغاثة والوكالات الإنسانية بالوصول إلي المتضررين من الأوضاع الإنسانية المتدهورة في جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وقررت رايس أن يظل الموضوع قيد نظر مجلس الأمن. وبحسب محللين تحدثوا ل(الرائد)، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تهدف من وراء مواقفها تلك إلي تحريك قضية جنوب كردفان والنيل الأزرق، باتجاه التدويل بعدما فشلت مساعيها السابقة بتدويل قضيتي جنوب السودان ودارفور، ورأي أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، الدكتور حسن علي الساعوري، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبحثمن خلال مواقفها من الأوضاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق عن طريقة للتدخل لدعم المتمردين بالمنطقتين من خلال الوصول الي تلك المناطق ليقوموا بتصوير المواقع العسكرية للقوات السودانية وتقديمها لهم، وتساءل لماذا لا تأتي الولاياتالمتحدة بمساعداتها إذا كانت فعلاً تنوي إغاثة المحتاجين ليتم توزيعها عبر الآليات الوطنية،وقال الدكتور الساعوري ل(الرائد) و"هم يريدون أن يدعموا التمرد وإلا لما رفضوا أن تأتي إغاثتهم عبر السودان وتخضع للتفتيش من قبل السلطات السودانية للتأكد منها"، ورأي الساعوري أن الهدف النهائي من وراء مساعي واشنطن هو تدويل القضية لأنها تري أن القضايا التي دولتها في السابق لم تنجح فيها وقال "الولاياتالمتحدة تود تدويل القضية ليقولوا إن السودان دولة فاشلة وهو ما يترتب عليه تدخل دولي، وبحسب الدكتور الساعوري فان واشنطن تسعي لاستدراج مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ضد السودان لخدمة مخططاتها واعتبر ذلك تحرش بالسودان. وتعتبر حكومة الخرطوم التحركات الأمريكية بشان منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أيضا محاولة من الولاياتالمتحدة وجهات دولية تسعي للتدخل في البلاد واتهم مندوب السودان بالأممالمتحدة السفير دفع الله الحاج في تصريحات الخميس الماضي دوائر خارجية بأنها تسعي لتصوير الأوضاع في المنطقتين بأنها غير مستقرة مؤكداً عدم وجود أية قيود تفرضها الحكومة علي دخول وكالات الإغاثة الي هناك. ورفضت الحكومة بشدة مقترحاً أمريكياً بفتح ممرات إنسانية لتوزيع المساعدات الإنسانية بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بمعزل عن مشاركتها ومفوضية المساعدات للمتضررين لضمان عدم وصولها للمقاتلين، وطالب الولاياتالمتحدة بتوضيح دوافعها في توصيل المساعدات الإنسانية بمعزل عن الحكومة السودانية والمؤسسات الوطنية ذات الصلة، ورأي الدكتور الساعوري أن أمام حكومة الخرطوم إزاء المواقف الأمريكية خياران أما الموافقة علي الطلب الأمريكي من دون شروط أو وفق شروط محددة بان يتم تسليم المساعدات لتقدم الي المحتاجين عبر المنظمات الوطنية. وتحاول الولاياتالمتحدة فيما يبدو لي أجندة القمة الإفريقية المقرر انعقادها بحر الأسبوع القادم لمناقشة الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان والنيل الأزرق، بل تريد واشنطن من القمة الإفريقية أن تخرج بقرار في هذا الخصوص علي الرغم من اجندة القمة محددة مسبقاً وليس من بينها ذلك الأمر ونقلت تقارير صحفية عن مسئول أمريكي قوله في هذا الصدد الثلاثاء،"علي إفريقيا أن تتحدث بصوت واحد بشان الأزمة ونتعشم أن يطرح هذا الأمر علي جدول أعمال إجتماع قمة الإتحاد الإفريقي الذي يعقد الأسبوع المقبل". وبدأت وسائل الإعلام الأمريكية تركيزها بصورة لافتة علي الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان والنيل الأزرق كما طفق نشطاء في دعم ما يبدو حملة منظمة تقودها واشنطن، غير أن حكومة الخرطوم ظلت متمسكة بموقف رافض لأي تدخل إنساني دون موافقتها وأظهرت تشكيكاً بيناً إزاء النوايا الأمريكية، حذرت الحكومة الولاياتالمتحدة من الإقدام علي تنفيذ مخططات تدعم المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق واعتبرت أية خطوة في ذلك الاتجاه عملاً غير مقبول بالنسبة إليها وأنها لا تضمن سلامة أية جهة تدخل الي تلك المناطق دون إذنها واستدعت وزارة الخارجية الأحد الماضي أكثر من 20 منظمة أممية وإقليمية وحددت موجهات وإجراءات لعملها في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وسمحت بموجب تلك الإجراءات لمديري مكاتب الأممالمتحدة والمنظمات الدولية بالتواجد في عاصمة الولاية فقط عبر تقديم طلب لمفوضية العون الإنساني للموافقة علي الشخص والفترة الزمنية بالتشاور مع السلطات الإتحادية المختصة وطلبت من الوكالات والمنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة والعون الإنساني توقيع اتفاقيات فنية مع مفوضية العون الإنساني لتنفيذ المشروعات وحددت أن يتم استلام وتوزيع الإغاثة عبر مفوضية العون الإنساني وجمعية الهلال الأحمر السوداني وفي حالة مشروعات البني التحتية التي تقوم بها الوكالات والمنظمات الدولية يتم التشاور فيها مع السلطات الإتحادية المختصة. نقلاً عن صحيفة الرائد 26/1/2012م