إن شركة شيفرون الأمريكية هي التي قامت بالعمليات الاستكشافية في السودان وأكدت وجوده وقدمت دليلاً مادياً بوضع فتيل مليء بالبترول في واجهة وكالة أنباء السودان في أواخر سبعينيات القرن الماضي وأبرمت مع حكومة السودان العقودات لاستخراجه ولكنها أغلقت الآبار وجمدت عملية استخراجه لأسباب سياسية وحسابات أمريكية، وظلت هذه الآبار مغلقة لعدة سنوات. وفي أعوام الإنقاذ الأولى أراد النظام استخراج البترول وأقر التنظيم ذلك وفكرت قيادة الحركة الإسلامية وقدّرت ووفّرت عن طريق علاقاتها الخارجية مكوِّناً مالياً دولارياً ضخماً وأتت بشركة سودانية اتخذتها واجهة لشراء حق استخراج النفط وتعويض شركة شيفرون ونالت مرامها وحققت مرادها ولو أنها أعلنت صراحة أن المشتري هو حكومة السودان لرفضت شركة شيفرون الأمريكية هذا العرض مهما كان مغرياً.. وعندما يحين الوقت المناسب ينبغي أن تُكتب قصة البترول في السودان بكل صدق وأمانة منذ البدايات الأولى مروراً بكل الحلقات والمراحل المختلفة وإن الحقائق بعد التقصي الدقيق ينبغي أن تُكتب بتجرد تام وحياد أخلاقي وإعطاء كل ذي حق حقه حتى ولو تبدلت مواقفه وأصبح في مرحلة لاحقة بدافع الانتقام للذات كناقضة غزلها بيديها، وينبغي إنصاف الجنود المجهولين والتنفيذيين الجادين أصحاب الهمة العالية، وتم استخراج البترول الذي وصفه البعض قُبيل ضخه بأنه «كأحلام ظلوط» وساهمت عائدات البترول في صرف المرتبات في مواعيدها وحلت مشكلة الفصل الأول الذي كان في الماضي يشهد تعسراً يؤدى لتأخر صرف المرتبات وتراكمها في بعض الولايات والمحليات لعدة أشهر ولا ندري بعد فقدان تلك العائدات هل ستعود ريمة لحالتها القديمة أم توجد بدائل ولا ندرى هل كان يُجنَّب جزء من تلك العائدات في الداخل أو الخارج ليوم كريهة وسداد ثغر عملاً بالمثل القائل القرش الأبيض لليوم الأسود أم لا يوجد تجنيب؟! ومن تلك العائدات أُقيمت طرق وكباري وبعض البنيات الأساسية ولكنها لم تُستغل بكل أسف الاستغلال الأمثل في القطاع الزراعي الذي أصبح كاليتيم في مائدة اللئام وينسحب ذلك أيضاً على الصناعات التحويلية التي أضحى الكثير منها أثراً بعد عين وحتى بعض المشروعات الكبيرة مثل خزان مروي فإنها لم تمول من عائدات البترول ولكن جل تمويلها اعتمد على القروض التي يحمل الوطن تبعات تسديدها على ظهره. وبعد الانفصال آلت جل عائدات البترول لحكومة الجنوب التي تعتمد عليها اعتماداً رئيساً في تسيير دولاب الدولة وصرف المرتبات وحفظ الأمن الداخلي واستيراد المواد الغذائية ولو أن الجنوب انفصل قبل استخراج وضخ البترول لعانت حكومته من الفقر المدقع وكانت قبل ذلك تعتمد على موارد الشمال الذي ترضع من ثديه. وبعد الانفصال رفضت حكومة الجنوب منح الشمال حقوقه المالية لقاء مرور البترول عبر مصافيه وأنابيبه التي يبلغ طولها أكثر من ألف ومائة كيلومتر. وحدث شد وجذب وجرت مفاوضات ظلت دائماً تصل لطريق مسدود لأن حكومة الجنوب أرادت أن تساوم بحقوق الشمال في البترول لقاء تنازله عن أبيي وأجزاء أخرى من حدوده. وأعلنوا أنهم سيوقفون الضخ وسيصدرون نفطهم بإقامة أنابيب تصل حتى كينيا وهذا عمل باهظ التكاليف ويستغرق عدة سنوات، مع عدم وجود الضمانات الأمنية الكافية هناك. وفي تقدير كثير من المراقبين أن هذه مجرد مناورات وضغوط ليرضخ الشمال ويمتثل لإملاءات الجنوب في القضايا العالقة بينهما. وإن إيقاف الضخ يعني توقف العائدات النقدية ويترتب على ذلك توقف تسيير الدولة وعدم صرف المرتبات وشراء المواد الغذائية ويؤدي هذا بالضرورة لأزمات حادة وتفلتات أمنية ولكنهم أعلنوا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية سترهن بترولهم وتتكفل بتقديم قيمته لمدة خمسة أعوام ولم يحدث قبل ذلك في التاريخ تكفل دولة بدفع ميزانية دولة أخرى مهما كانت الضمانات والشروط. ولو تحول هذا الزعم لحقيقة والتزمت أمريكا بما قيل إنها تكفلت به فإنها ستضع أولويات الصرف وتركز على بيع الأسلحة أي أنها تأخذ بالشمال ما تقدمه باليمين وتصب الزيت على النار لإشعال الحرب مجدداً بين السودان ودولة الجنوب بعد استدراجهما لذلك. وهناك اتفاقيات مبرمة مع الشركات الصينية والماليزية فكيف تتخطى حكومة الجنوب هذه العقبة. وربما ظنت أمريكا أنها هي التي اكتشفت البترول وهي الوصية على دولة الجنوب الوليدة ولا يمكن في تقديرها أن يكون خير هذه الدولة لغيرها وهنا قد يحتدم صراع بين أمريكا والصين ويبدأ أولاً بحرب باردة. وتهمنا نحن أوضاعنا الداخلية لأن وطننا العزيز المفدى تحيط به تحرشات خارجية ومعضلات داخلية في ظل ضبابية وعدم شفافية لضعف المؤسسية وينبغي جمع الصف الوطني لمجابهة هذه التحديات وفتح المنابر للحوار الحُر الجهير. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 1/2/2012م