هل تتجه حكومة الجنوب نحو الحرب؟ إذا كانت الإجابة ب (لا) تصبح تصرفاتها التي ابتدرتها خلال مفاوضات أديس أبابا لا معني لها, أما إذا كانت حكومة الجنوب تعبًّد الطريق بتلك التصرفات للحرب, فإن ذلك سيصبح محض جنون, كما سنري. بالأمس أذاع السيد وزير النفط في دولة الجنوب أن حكومة السودان لم تفرج عن النفط وأن هنالك ستة ملايين برميل لا زالت محتجزة بالمستودعات في بورتسودان! لا أعرف لماذا يكذب السيد ستيفن ديو داو علي الرأي العام, ألاً الكمية المذكورة ليست ستة ملايين برميل, بل أربعة فقط, وهي أصلاً ليست محتجزة, إنما ب (خط الأنابيب).. ثم إن هذه الكمية أصلا لم يجر حديث عنها في المفاوضات الأخيرة في جوبا.. فكل ما طلبه الوفد الجنوبي المفاوض أن يطلق سراح الثلاث بواخر, ولم يأت علي ذكر تلك البراميل أصلاً. أو في السودان بما وعد به زيناوي, وأطلق سراح البواخر فلماذا الكذب؟ الغريب أن الجنوب الذي كان يفاوض في أديس, كان في ذات الوقت يسرع في إغلاق "البلوفة" والمفاوضات مستمرة.. فأي نوايا تلك كانت تتفاوض بها حكومة الجنوب. بالأمس قلت إن سوء التقدير والحسابات الخاطئة هي ما قادت دولة الجنوب لموقفها الأخير لنترك الآن الجانب السياسي, ونري الموقف من زاوية اقتصادية بحتة, لندع كافة المقترحات التي عرضت علي الجنوب لتسوية ملف النفط, من مكلي وحتي الجولة قبل الأخيرة في أديس. في أديس اقترحت لجنة الوساطة اتفاقاً إطارياً يلتزم فيه الجنوب بتوفير 35 برميل نفط يومياً لحكومة السودان لمدة شهر يعني 750 ألف برميل نفط, أي قرابة المائة مليون دولار . كل المبلغ الذي كان ستأخذه حكومة السودان مائة مليون دولار مقابل السماح لنفط بسبعمائة وخمسين مليون دولار للعبور, تعود لحكومة الجنوب, وهذا المبلغ المعطي لحكومة السودان ليس هبة من حكومة الجنوب, إنما ستجري تسويته لاحقاً. الآن أغلقت (البلوفة) فقدت جوبا سبعمائة وخمسين مليون دولار في مقابل مائة مليون فقدتها حكومة السودان. فمن هو أكبر الخاسرين؟ صحيح أن بترول الجنوب سيبقي في آباره, ولذا لا تعتبر حكومة الجنوب أنها خسرت شيئاً في مقابل خسارة مؤكدة وغير معوضة لحكومة السودان لأنها تبيع خدمات الخط الناقل. ولكن ماذا تعني مائة مليون دولار لحكومة السودان؟ هل سينهار الاقتصاد السوداني بسببها, وهل هذا ما يسعد الجنوب؟. الآن في جوبا وكل الجنوب تتصاعد أسعار 186 سلعة بمتوالية هندسية، وتتزايد الضغوط على مواطني الجنوب الذين لا يجدون بدائل مناسبة لاحتياجاتهم التي تستورد من الشمال. ما يقود لارتفاع معدلات التضخم، وستضطر حكومة الجنوب لاستيراد كل تلك السلع بالعملة الحرة الشيء الذي سيسبب نزيفاً مستمراً لاحتياطيات العملات الحرة، ولا تستطيع حكومة الجنوب التعويض سريعاً لأن (بلوفة) الدولارات قد أغلقت!! يحدث ذلك لان حكومة السودان في لعبة لي الذراع قد منعت عبور تلك السلع للجنوب. هل حسبت حكومة الجنوب خسائرها من جراء إغلاق الحدود. ما حيرني هو تصريح لباقان أمس، يهدد فيه بإغلاق الحدود المغلقة أصلاً .. إلا إذا كان يعني تهديد المسرية. كل ما كان يأخذه الشمال من الجنوب حين كانت إيرادات النفط سنوياً تبلغ 11 مليار هو مبلغ ثلاثة مليارات بنسب نيفاشا ليتبقي للجنوب ثمانية مليارات صافية. الآن سيخسر الشمال سنوياً ما يقارب الثلاثة مليار دولار. سيفقد ميزان المدفوعات هذا المبلغ، وهي مشكلة رئيسية يواجهها الاقتصاد حالياً، ولكن اذا ما تسني الحصول على قروض خارجية كما متوقع خلال الأيام القادمة الحصول من دولة قطر على (2 مليار دولار) بالإمكان السيطرة على الأوضاع ريثما تتضح الإيرادات الأخرى من معادن وغيره. حكومة الجنوب رغم احتياطاتها التي تقدر الآن بخمسة مليار دولار فالواضح أنها ستضطر للاستدانة قريباً لتلبية الاحتياجات الملحة لمواطنيها وبنسب فائدة عالية. المؤسسات التي ستستدين منها الجنوب لا يمكن أن تغامر بسهولة، بدفع مبالغ طائلة لدولة وليدة، كل المؤشرات تقول إنها ستسقط في اتون حرب عاصفة سواء من داخلها أو مع الشمال. فالمؤسسات الدولية التي تعاني أصلاً من أوضاع قلقة لا تستطيع أن تدفع لدولة معددة بالانفجار في اية لحظة. فعوضاً عن ان يستخدم الجنوب موارده ويقوم في ذات الوقت بتسليف الشمال ريثما تحسم المفاوضات الرسوم فيسترد الجنوب فرق السعر من الشمال، ويفتح الشمال الحدود لعبور البضائع،ويستمر التفاوض في أجواء حسنة.. فعوضاً عن ذلك يلجأ الجنوب لخيارات أخرى لا تتسم بأية عقلانية. بالحساب الاقتصادي ليس هنالك عاقل ينصح بعدم التوقيع على اتفاق يحقق مصالح الطرفين، ولكنه ليس الاقتصاد، بل الحساب السياسي المبني على فكرة الصراع وكراهية الآخر هو ما يقود الإخوة في دولة الجنوب ليخطئون الحساب، ويسيروا في درب مدمرة لهم وغيرهم. غداً سنري كيف يجري الحساب السياسي لدولة الجنوب. نقلا عن صحيفة الأحداث السودانية 1/2/2012م