مثلما أننا نعيش أوان الثورات العربية التي تمددت في العالم العربي بامتياز لتحصد تلك الدول وشعوبها ثمار ما اصطلح على تسميته بالربيع الذي ما تزال بعض دوله تكابد مشاقه المتوّجة باللون الأحمر القاني، نجد أن السودان قد افترع ربيعاً من نوع آخر، سوحه الأحزاب السياسية، أما موضوعه ووسيلته فهي المذكرات الإصلاحية أو التصحيحية، التي انهمرت يمنة ويسرة، بدءًا بالمؤتمر الوطني مرورًا بالأمة القومي والاتحادي الأصل، وربما ليس آخراً مذكرة المؤتمر الشعبي التي أوردتها «الإنتباهة» بالأمس الأول، وفيها أن مجموعة تصحيحية بالحزب سلّمت الأمين العام للحزب د. الترابي نص المذكرة عبر مدير مكتبه تاج الدين، نصّت على انتشال الحزب من الركود والرتابة التي يعيشها، مشيرة إلى عدم قيام المؤتمر العام للحزب، واشتكت من سيطرة الترابي على شؤون الحزب، الشيء الذي نفاه الحزب جملة وتفصيلاً بل واعتبر أن ما أثير مخطط من الوطني لتشويه سمعة نائب الأمين العام لشعبي الخرطوم الناجي عبدالله، الذي نُسب إلى مجموعته مسؤولية تقديم المذكرة، وذلك بعد رفضه الانضمام للوطني وفقاً للقيادي بالحزب أبوبكر عبد الرازق في تصريحه للزميلة «آخر لحظة»، الذي أكد التفاف قيادات الحزب حول الترابي. ثورة المذكرات التي اشتدّ أوارها في الأحزاب يمكن ترتيبها على وجهين: الأول حديث النشأة في العشرين عاماً الماضية، وتعود هذه إلى الأحزاب الطائفية «الأمة والاتحادي»، أما الثانية فمنشؤها حوش الإسلاميين من لدن مذكرة العشرة التي أفضت إلى انفصام عرى الحركة الإسلامية التي اشتهرت بأنها الأكثر تنظيماً دون الآخرين. المتابع لوقائع تطاير الأحاديث التي تروِّج لظاهرة المذكرات في المؤتمرين «الشعبي والوطني» يرى أنها تتسم بحرب البقاء والإقصاء الدائرة بينهما، فالترابي عندما سُئل عن تعليقه على ظهور المذكرة الثانية بالوطني أجاب مستفهماً بابتسامته المعهودة: أي مذكرة؟ دعونا ننتظر الثالثة لنعلّق عليها معاً، مما فسر أنه على علم بها بل وأشار البعض إلى دوره في إعدادها أو على الأقل استشارته في أمرها، وكان رئيس القطاع السياسي للوطني قطبي المهدي أشار لوجود خمس مجموعات بالشعبي تسعى لإطاحة الترابي: واحدة منها فرعية ولاية نهر النيل التي اجتمعت بقيادات نظيرة بوطني الولاية في عطبرة نجم عن اجتماعها لجنة تضم 40 عضوًا من الجانبين للعمل على إنجاز وحدة الإسلاميين وفقاً للصحف وقتها، الشيءالذي نفاه الحزب آنذاك، وفيما يلي القيادي بالحزب الناجي عبدالله الذي جرت الإشارة إليه بشأن المذكرة يُعرف عنه أنه ليس من أنصار الخلود في المناصب بالحزب، فمن أحاديثه في حواره ل «الرأي العام» في مايو من العام الماضي قوله إن حزبه يتميز عن غيره من الأحزاب بأن التكليف فيه لا يكون مدى الحياة، بحيث «إلا تخليه بعزرائيل والموت»، ذلك أن الحزب يحتكم لنظام الدورات المحددة، كما قال. ولدى سؤاله عما إذا كان التبادل الدوري للمواقع على مستوى الأمانات يطول الترابي أجاب ب«نعم»، الشيء الذي قد يعزز من شأن نسب المذكرة إليه، مع ملاحظة أن النفي أعلاه لم يصدر منه شخصياً، وفي المقابل فإن قوله إن علمه ينتهي بأن الترابي نفسه يصرُّ إصرارًا قوياً على مغادرته المنصب في المؤتمر العام، تدفع للتساؤل: ما الذي يدعوه لتقديم المذكرة طالما أن ذاك هو رأيه؟ ويمكن تعضيد ذلك بالإفادة المقتضبة للقيادي بالحزب د. بشير آدم رحمة في حديثه ل «الإنتباهة» أمس أن لا علم له بالمذكرة، مردفاً أن الذين وردت أسماؤهم في الخبر بصدد الاحتكام للقضاء. على أي حال فإن تجربة الوطني الأخيرة وما ورد فيها من نفي غليظ لمذكرة طالته، ثم الاعتراف بها لاحقاً وتباين الآراء بشأنها، يشير إلى أن الأيام المقبلة ستفصح عن مذكرة الشعبي: هل حقيقة أم مجرد تسريبات إعلامية لا أساس لها من الصحة؟. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 15/2/2012م