رحبت الأممالمتحدة – مطلع هذا الأسبوع – بعودة موظفيها للعمل فى ولاية جنوب كردفان لإيصال المساعدة للمحتاجين المتأثرين بالحرب هناك. منسق العمليات الانسانية بالأممالمتحدة (مارك كيتس) أبدي إستعداد المنظمة الدولية للقيام بهذا الدور مشدداً على أن الأولوية يجب أن تكون لوقف القتال ومساعدة النازحين على العودة الى مناطقهم. من جهتها طالبت الحكومة السودانية المجتمع الدولي بالضغط على المتمردين لوقف القتال ؛ وقالت وزيرة الرعاية الاجتماعية فى السودان أميرة الفاضل إن على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط على المتمردين لفتح ممرات لإيصال المساعدات، واصفة الأوضاع الانسانية فى جنوب كردفان والنيل الازرق بالمطمئنة، نافية منع المنظمات الأجنبية من دخول هذه المناطق، مشيرة الى أن الحكومة السودانية قدمت أذونات رسمية إعتباراً من شهر يناير المنصرم لعدد من هذه المنظمات لدخول المنطقتين. وهكذا يمكن القول إنه لا خلاف – ظاهرياً – كان أم مستتراً بين الخرطوم ونيويورك بشأن معالجة الأوضاع الانسانية فى جنوب كردفان والنيل الأزرق، غير أنَّ الصورة لا تبدو كما كانت تجري بها الأمور فى السابق، إذ من المؤكد أن هنالك قدر غير قليل من الاختلاف ما بين ما مضي وما هو ماثل الآن بشأن الطريقة التى تمارس بها الأممالمتحدة دورها، ولهذا فقد قالت وزيرة الرعاية الاجتماعية السودانية أميرة الفاضل ان حكومتها تدرس الآن ما أسمتها مبادرة مشتركة مقدمة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية لتقديم المساعدات الانسانية برؤية معينة، وهى مبادرة لم تكشف الوزيرة عن طبيعتها ولا عن تفاصيلها، ولكن من المفروغ منه -وفق متابعات سودان سفاري- أن الخطوط العريضة لمثل مبادرة كهذه ستكون التشارُك الكامل مع السلطات السودانية فى القيام بالمهمة؛ لا ترك الحبل على القارب – كما جري فى السابق – لتقوم كل منظمة بما تريد، ولعل هذا ما يجعلنا نتساءل عن الطريقة التى ستدخل بها الأممالمتحدة ومنظماتها ووكالاتها المتخصصة الى جنوب كردفان والكيفية التى ستؤدي بها عملها. تشير متابعات (سودان سفاري) أن في مقدمة الشروط التى وضعتها الحكومة السودانية لعمل المنظمات الانسانية فى الولاية هو تولي السلطات الحكومية السودانية والمنظمات الوطنية مهمة إيصال المساعدات عقب استجلاب هذه المنظمات لها ويدعم هذا الشرط ان الحكومة السودانية – حتى هذه اللحظة – لم تسمح بإنشاء معسكرات نازحين على غرار ما جري قبل سنوات فى إقليم دارفور، ويمثل غياب معسكرات النازحين عقبة أمام المنظمات الأجنبية فى القيام بما تريد كما كانت تفعل فى دارفور حين تحولت تلك المعسكرات الى بؤر للجريمة والأنشطة الإستخبارية وعمليات التهجير الى الخارج والتزويد بالأسلحة، ولهذا فإن عدم وجود هذه المعسكرات الآن يقلل من فرص هذه المنظمات فى القيام بأدوار ذات أهداف وأجندات خاصة، كما يتيح للحكومة السودانية الرقابة اللصيقة وفى الوقت نفسه يجبر هذه المنظمات بالإكتفاء بالوصول الى المناطق المتأثرة لأن الجانب الحكومي ستولي التوزيع والإشراف على عملية الإيصال نفسها. وعلى ذلك فإن ترحيب الأممالمتحدة بعودتها الى جنوب كردفان للعمل والقيام بدورها المطلوب يبدو فى ظاهره تجاوزاً لأزمة متطاولة منذ أن تعرضت بعثة الأممالمتحدة قبل أشهر الى إطلاق نار من بنادق المتمردين وتأثر وجودها فى المنطقة تأثراً كاملاً ولكنها لم تسع مطلقاً لإدانة الطرف المبادر بالتمرد. إن عودة الأممالمتحدة للمنطقة هذه المرة ورغم هذا الترحيب هي عودة عملت الحكومة السودانية على مقايستها بمقاييس دقيقة للغاية، تفادياً للدخول فى مواجهات مع المجتمع الدولي من جهة، وحرصاً علي سيادة الدولة والحيلولة دون انفراط الأمور لدرجة تحكم هذه المنظمات في كافة مفاصل الحياة المنطقة، وغنيّ عن القول هنا أن الحكومة السودانية استطاعت بالفعل أن تحكم سيطرتها على الوضع بعد أن تشاركت مع الأم المتحدة وكافة المنظمات الانسانية فى عمل مسح شامل بالولاية تحددت بموجبه المساعدات المطلوبة بحيث لن يكون فى وسع أى جهة دولية تجاوز نتائج هذا المسح بحال من الأحوال!